هل تهاجم أميركا إيران؟
سئوال ٬ يحكمه الردع المتبادل واللاعب الخفي وخيار شمشون والعواطف
علي نوري زاده
أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، التقى عدد من الشخصيات الايرانية من الباحثين والأساتذة والكتاب المعارضين بجمع من أركان ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بدعوة من مسؤول رفيع بالادارة. ورغم انه لم يكن للاجتماع طابع رسمي، غير ان الأحاديث التي أوردها المشاركون فيه، تجاوزت حدود البحث الأكاديمي، ودخلت في محاور حساسة مثل البرامج النووية الايرانية والدور الايراني في العراق. معظم المشاركين الايرانيين في الاجتماع اعلنوا رفضهم المطلق لأي عمل عسكري اميركي ضد ايران، معتبرين ذلك بمثابة «هدية» للنظام لتعبئة الرأي العام ودعم النظام.
ومما أثار دهشة وقلق الشخصيات الايرانية المشاركة في الاجتماع، ان بعض المسؤولين الأميركيين ممن شاركوا كانوا يتحدثون عن خطة ضرب المنشآت النووية والصاروخية الايرانية باعتبارها قضية قد تم حسمها في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، وان النقاش هو بالاساس حول توقيت الضربة.
وقال خبير اميركي لشؤون الشرق الأوسط ان دخول ايران النادي النووي سيكون كارثة ليس بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فحسب بل لدول المنطقة التي حاولت عقب فوز الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي قبل نحو ثمانية اعوام، وبشتى الطرق توسيع نطاق تعاونها مع ايران وتعزيز صلاتها بايران خاتمي. والآن ومع قرب نهاية ولاية خاتمي الثانية، وسيطرة المحافظين على البرلمان واحتمال فوز مرشح محافظ فى الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، فأن المخاوف تتزايد من ان ينتهج المحافظون نهجا اكثر تشددا. وبناء على حديث أحد الايرانيين المشاركين في اجتماع واشنطن، فان صقور ادارة بوش لا سيما نائب وزير الدفاع بول وولفويتز واثقون من ان ضرب المنشآت النووية والعسكرية الايرانية سيؤدي الى انهيار النظام واندلاع عصيان مدني واسع النطاق.
ومتزامنا مع تصعيد اللهجة الاميركية ضد ايران وظهور بوادر «حرب أعصاب» حقيقية بين الطرفين، عقد المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني أعلى مركز اتخاذ قرار في القضايا الاستراتيجية والدفاعية والاقتصادية، اجتماعا طارئا بدعوة من الرئيس خاتمي. وفي هذا الاجتماع ومنذ لحظاته الأولى بدا الخلاف في وجهات نظر القادة العسكريين ومسؤولي الاستخبارات. اذ رفض خاتمي بشدة مقترح قادة الحرس الثوري اعلان حالة الاستنفار القصوى في البلاد وتعبئة الجيش والحرس وقوات الباسيج من اجل التصدي لأي عدوان عسكري اميركي او اسرائيلي. وأبدى الدكتور حسن روحاني الامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي الايراني ورئيس الوفد الايراني المفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن الملف النووي، تأييده لرأي خاتمي.
وبعد عدة ساعات من البحث والنقاش والجدل، ومراجعة المرشد الاعلى للجمهورية اية الله علي خامنئي، عبر ممثليه في المجلس، تم شبه اتفاق بين أركان النظام المجتمعين في الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للأمن القومي وبموجب هذا الاتفاق قررت القوات المسلحة الايرانية اجراءات عاجلة لتعزيز دفاع المنشآت النووية والعسكرية المهمة في البلاد. وبالنسبة للعمليات الانتقامية وخطط الهجوم المضادة فان هناك مجموعة من المشاريع لم يتخذ القرار النهائي بشأنها بعد، ومن أهم هذه المشاريع التي سيتم تنفيذها في حالة تعرض المنشآت النووية والعسكرية الايرانية للضرب: توجيه ما لا يقل عن ستين صاروخا من نوع «شهاب 3» الى اسرائيل، وضرب القطع الحربية الاميركية في الخليج. وإرسال وحدات حرب العصابات التابعة لفيلق القدس ولواء 66 الخاص التابع للحرس الثوري الى الأراضي العراقية لتوجيه حملات غير منتظمة ضد القواعد الأميركية، وقتال العسكريين الأميركيين داخل الأراضي العراقية، وتوجيه ضربات الى المصالح الاميركية في المنطقة. واستنادا الى مصدر بوزارة الدفاع في طهران، فان «خيار شمشون» ليس بعيدا عن أذهان قادة الحرس في حالة توسع رقعة المواجهة مع الولايات المتحدة، وتوغل الجيش الاميركي داخل ايران، بحيث هناك اسلحة فتاكة لم يكشف الحرس عنها بعد، ولكنه قد يعتمد عليها اذا شعر بأنه يواجه معركة خاسرة. فهل يمكن ان تكون هذه التسريبات احد الاسباب التى يمكن ان تجمد مشروعات واشنطن لمهاجمة طهران. هذا احتمال، غير ان هناك احتمالا اخر يدعم الانطباع ان واشنطن لن تجازف بسهولة بضرب ايران. فبعيدا عن رفع الاستعدادات القتالية من قبل القوات المسلحة وتحركات اللاعبين السياسيين من اجل تهدئة الأجواء والمشاعر، وسعى خاتمي وروحاني لابقاء ابواب الحوار مفتوحة مع الاتحاد الأوروبي، هناك لاعب آخر من الوزن السياسي الثقيل يأمل بأن تمهد الأزمة الراهنة الطريق أمامه للوصول الى كرسي الرئاسة للمرة الثالثة، وليس هذا الشخص سوى هاشمي رفسنجاني الذي بعث مؤخرا بواسطة أحد مستشاريه غير الرسميين برسالة الى الادارة الاميركية. وعلمت «الشرق الأوسط» أن رفسنجاني قد تلقى ردودا مشجعة حول استعداد ادارة جورج بوش لاعادة النظر في سياستها نحو ايران في حالة تخلي طهران بشكل نهائي عن برامجها النووية ذات الاستخدام العسكري. وعملية تبادل الرسائل بين رفسنجاني وادارة جورج بوش دخلت مرحلتها الحاسمة، ومن المحتمل قيام مبعوث من قبل رفسنجاني بزيارة جنيف في وقت قريب للاجتماع مع مبعوث خاص من الادارة الاميركية، على حد قول مصدر قريب من رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام. وعلى الساحة الشعبية الايرانية، لا يبدو ان هناك رغبة فى تصعيد مع «الشيطان الاكبر» تصل الى حد المواجهة العسكرية. فشعور الايرانيين حيال الولايات المتحدة لا سيما بعد وصول جورج بوش الابن الى السلطة، مختلفة تماما عما تروجه اجهزة الاعلام الحكومية، اذ ان شعار «الموت لاميركا» الذي يردده عادة المصلون في جامعة طهران كل يوم جمعة لم يعد له أي قيمة، ليس لدى رجل الشارع فحسب، بل ان الطلبة الثوريين الذين احتلوا السفارة الاميركية في طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) العام 1979 واحتجزوا 52 دبلوماسيا لاكثر من 444 يوما، اصبحوا اليوم في مقدمة الاصلاحيين المطالبين باعادة العلاقات مع الولايات المتحدة. وكان الصحافي الاميركي المعروف توماس فريدمان، قد اكد عقب زيارة له لايران في العام الماضي، ان الصوت الوحيد المعارض لاميركا وبوش الذي سمعه في ايران كان لاثنين من السياح الهولنديين، في مقهى شعبي بأصفهان. والعديد من الايرانيين ممن عانوا من آثار الحرب المدمرة مع العراق لاكثر من ثماني سنوات، او اثارت جرائم طالبان بحق الشيعة والدبلوماسيين والمواطنين الايرانيين عواطفهم بحيث تطوع الآلاف منهم للقتال ضد طالبان، ينظرون نظرة مختلفة حيال جورج بوش الرجل الذي اسقط عدويه الرئيسيين الملا عمر في افغانستان وصدام حسين في العراق. ووفقا لاحصائيات لجنة الانتخابات في الحزب الجمهوري فان ثمانين بالمائة من الايرانيين الاميركيين البالغ عددهم حوالي 1.4 مليون ايراني قد صوتوا لـبوش.
وليست قصة الحب بين الايرانيين والاميركيين من طرف واحد، اذ ان دماء الكاتب والمدرس الاميركي «باسكرويل» قد امتزجت بدماء احرار ايران في الثورة الدستورية في بداية القرن الماضي. انها كلها معطيات تتمحور حول الردع المتبادل والمصالح المشتركة، بل ودور العواطف واللاعبين المؤثرين من وراء الستار، غير ان قرارات الحرب، من عدمها يمكن ان تتخذ بناء على معطيات من هذا النوع.
February 4, 2005 11:40 AM