آباء الثورة أكلوا أبناءها و... أحفادها أيضا
ماذا حدث لـ«الثوريين» الذين احتلوا السفارة الأميركية قبل 26 عاما ؟
لندن: علي نوري زاده
حين أعلن سعيد مرتضوي، النائب العام لمدينة طهران، الذي نال لقب «جزار الصحف» بعد قيامه باغلاق 140 صحيفة ومجلة اصلاحية خلال بضعة أعوام، فضلا عن اعتقاله العشرات من كبار الصحافيين والمثقفين، عن اعتقال المهندس عباس عبدي الوجه السياسي البارز، ومستشار الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي، ...
بتهمة التآمر مع الاستخبارات الاميركية لتشويه صورة الثورة والاساءة الى الولي الفقيه وذلك قبل ثلاث سنوات، لم يصدق احد ان رجلا مثل عبدي يمكن ان يكون عميلا للولايات المتحدة رغم انه سبق ان ابدى اسفه للمعاناة التي تعرض لها 52 دبلوماسيا اميركيا خلال فترة احتجازهم من قبل «طلبة خط الامام» وكان عبدي آنذاك احد قادتهم البارزين.
ان قصة عبدي تشبه قصة الآلاف من الشبان الثوريين المتحمسين للنضال ضد الاستكبار والامبريالية في بداية الثورة الايرانية، ممن تحولوا فيما بعد الى اشد منتقدي الثورة واكثر الاصلاحيين الايرانيين حماسا. ففي الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) العام 1979 قاد عبدي ما سُمي فيما بعد من قبل الامام الخميني بالثورة الثانية، وذلك باقتحامهم مبنى السفارة الاميركية في قلب العاصمة، حيث وقع 52 دبلوماسيا في قبضة مئة وثلاثين شابا وبضع شابات وظلوا رهائنهم لمدة 444 يوما تغيرت خلالها معالم ايران السياسية. ان الثورة التي أشعل الوطنيون والقوى العلمانية واليسارية والليبرالية فتيلها، وقعت في ايدي رجال الدين وشركائهم البازاريين (طبقة التجار النافذة). وبصدور اول اعلان عن «طلبة خط الامام» عن سيطرتهم على «وكر التجسس» الاميركي، استقال رئيس الوزراء مهدي بازركان زعيم «حركة الحرية» من منصبه احتجاجا على خرق القوانين والاعراف الدولية المتعلقة بحصانة البعثات الدبلوماسية، وتجاوز الطلبة التقاليد والاسس الاخلاقية للمجتمع الايراني باحتجاز من وصفهم بازركان «ضيوف ايران».
لقد ذهب بازركان ليصبح فيما بعد رمزا للمقاومة وقائدا لمن ندموا على دعمهم للثورة، والعديد من انصاره وتلامذته تعرضوا بعد ذلك لأبشع الممارسات القمعية على ايدي الثوار الجدد، الذين احتلوا مقاعد قطار الثورة بعد وصولها الى محطة الانتصار، فيما بازركان ورفاقه ممن حافظوا على ميثاق حركة الدكتور محمد مصدق، الزعيم الوطني الايراني الذي امم النفط وحارب الاستعمار البريطاني والنفوذ الاميركي، إما نزلوا من القطار او القاهم الركاب الجدد على الارض من نوافذه. وما زال الايرانيون يتذكرون ليالي شتاء 1980، حين كان عباس عبدي وبعض شركائه، مثل ابراهيم اصغر زاده وحسين شيخ الاسلام، يظهرون في التلفزيون للاعلان عن عمالة فلان الصحافي او فلان الزعيم السياسي للسفارة الاميركية. هكذا اساء الطلبة الى العشرات من قادة الفكر واصحاب القلم والمسؤولين الكبار، ونتيجة لذلك دخل عدد من ابرز الشخصيات الوطنية سجون النظام. ومن هؤلاء عباس امير انتظام، مساعد رئيس الوزراء وسفير ايران في السويد، الذي اطلق الايرانيون عليه لقب «مانديلا ايران» كونه اقدم سجناء الضمير في ايران، علما بان اتصالات امير انتظام مع السفارة الاميركية قبل وبعد الثورة كانت تتم بمعرفة الامام الخميني وممثله وبازركان، مثله مثل هاشمي رفسنجاني وآية الله خامنئي، ممن كانوا يتولون الاتصالات مع الدول الاجنبية قبل الثورة لإقناع هذه الدول بسحب دعمها للشاه.
كان مصير «طلبة خط الامام» الذين كانوا لأكثر من عام قرة عين الثورة وابناءها المناضلين، مصيرا عجيبا ولعدد منهم غامضا ومأساويا. ففور انتهاء عملية السفارة توجه ثمانون منهم الى جبهة الحرب مع العراق حيث استشهد 74 منهم فيما عاد ستة منهم معوقين وبجروح ما زالوا يحملون آثارها. علما بان عددا آخر ممن كانوا ينتمون الى الاحزاب والتيارات الشيوعية واليسارية ومجاهدي خلق تم طردهم من السفارة بعد بضعة اشهر من انجاز العملية. اما الباقون فان عددا منهم تركوا السياسة وعادوا الى جامعاتهم ومراكز عملهم محاولين تناسي الاشهر التي قضوها في السفارة، بينما بعض قادة الطلبة انخرطوا في العمل السياسي والاعلامي، ابرزهم حسين شيخ الاسلام الذي دخل وزارة الخارجية واصبح نائبا للوزير لعشر سنين وثم سفيرا في سورية وهو اليوم نائب محافظ في البرلمان. ايضا ضمن الطلبة الذين قاموا بعملية احتجاز الرهائن ابراهيم اصغر زادة زعيم «حزب التضامن» الاصلاحي الذي دخل السجن لمدة سنة قبل ان يصبح نائبا ومن ثم عضوا في المجلس البلدي ومحررا في صحيفة «التضامن»، وهو ينوي الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. هناك ايضا محسن ميردامادي الذي اصبح محافظا لمقاطعة خوزستان، وكان قد سافر الى بريطانيا حيث درس بجامعة اكسفورد وحاز الدكتوراه في العلوم السياسية قبل ان يعود الى ايران وينضم الى خاتمي في حملته الانتخابية. ودخل ميردامادي البرلمان على لائحة جبهة المشاركة التي كان احد مؤسسيها وانتُخب رئيسا للجنة العلاقات الخارجية والامن القومي في الدورة السابقة للبرلمان. غير انه في الانتخابات البرلمانية الاخيرة رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه باعتباره «غير مؤهل». كما ان المدعي العام اوقف صحيفة «نوروز» الواسعة الانتشار التي يشرف عليها، والى جانب انشطته الحزبية يدرس حاليا ميردامادي في عدد من الجامعات ويطارده حكم قضائي لم يجر تنفيذه بالسجن والجلد بسبب ما نشرته صحيفته حول المحافظين والولي الفقيه.
وفي بداية عهد خاتمي التقى عبدي في باريس بأحد رهائنه وهو باري روزن المستشار الصحافي للسفارة الاميركية في طهران. وفي مشهد مثير في احدى قاعات جامعة باريس ابدى عبدي اسفه لما تعرض له روزن، بينما قال روزن الاستاذ حاليا بواشنطن، انه غفر لعبدي ورفاقه.
February 25, 2005 12:50 PM