اضطرابات خوزستان.. بين الطائفية والمساواة
العرب الإيرانيون يعتبرون أنفسهم جزءا من إيران لكن بخصائصهم وتقاليدهم
لندن: علي نوري زاده
حينما أعلن آية الله محمد بهشي، رئيس مجلس الخبراء بالنيابة، بعد أشهر قصيرة من قيام الثورة الإيرانية 1979، وخلال مناقشات المجلس حول بنود الدستور الجديد، أن اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن، ستكون اللغة الثانية في البلاد بعد اللغة الفارسية الرسمية، تنفس المواطنون العرب الإيرانيون بمحافظة خوزستان الصعداء، إذ شعروا لأول مرة منذ أكثر من خمسين عاما، بأن سنوات القمع للغتهم وثقافتهم قد ولت، وسيكون باستطاعتهم تعليم أبنائهم لغتهم الأم إلى جانب لغة بلادهم الرسمية، أي اللغة الفارسية.
وصدرت صحف ونشرات عربية متعددة في الأشهر الأولى لقيام الجمهورية، كما فتحت مراكز ثقافية في «الأهواز» و«خرمشهر».
وتشكلت منظمات وتجمعات سياسية واجتماعية من قبل الطلبة والمثقفين العرب الإيرانيين كانت من البشائر الإيجابية وتغيير تعامل الحكم مع أقلية تنتمي إلى السنة، خلافا للأكراد الذين كانوا منذ بداية الثورة مستهدفين من قبل رجال الدين الشيعة المتطرفين والحرس. غير أن شهر العسل بين حكام إيران الجدد مع العرب الإيرانيين لم يستمر طويلا كما كان الحال مع الأكراد والتركمان والبلوش وغيرهم من الأقليات العرقية والدينية.
وبعد أحداث الجمعة الدامية بمدينة «خرمشهر»، التي أسفرت عن سقوط بعض القتلى والجرحى، حينما حاول رجال اللجان الثورية اقتحام المراكز الثقافية للعرب، وجرى إعدام عدد من نشطاء العرب،اندلعت الحرب مع العراق بتوغل جيش صدام حسين في الأراضي الإيرانية، وكان صدام حسين يعتقد بأن أهالي خوزستان الغاضبين من السلطة الحاكمة في طهران سيفرشون الطريق لدبابات وجنود العراق. غير أن صدام حسين أصيب هو وقادة جيشه بذهول كبير حينما علموا أن العرب الإيرانيين يدافعون عن قراهم ومدنهم ببطولة وحماس منقطع النظير. وقدم أبناء العرب الإيرانيين الآلاف من الشهداء في سبيل تحرير الأراضي المحتلة في خوزستان، حسب ما يقوله الإيرانيون.
هكذا اثبت العرب الإيرانيون أنهم عرب، ولكن عربا إيرانيين بخصائصهم وتقاليدهم ويعارضون أي تحرك انفصالي عن الوطن الأم إيران. ويشير أبو حسين الأهوازي، أحد المثقفين العرب في خوزستان، إلى أن النزعات الانفصالية لا تحظى بأرضية قوية في الأهواز، ومأساة العرب الإيرانيين لا تختلف عن مأساة بقية أبناء الشعب الإيراني، إذ هناك اضطهاد وتهميش وسعي إلى محو الهوية العربية، علما بأن التعدد الإثني والقومي يعتبر سمة أساسية للتركيبة السكانية في إيران. وإلى جانب ذلك، فإن السلطة الحاكمة في إيران حاولت فرض الأمر الواقع على الساحة الأهوازية من خلال بناء مجمعات سكنية حول مدنية الأهواز والمدن العربية في خوزستان وتغيير الأسماء التاريخية لبعض المدن والمناطق. ويضيف حسين الأهوازي قائلا: «لقد كانت الحصيلة النهائية لتلك السياسات والممارسات تخلفا وتأخرا شديدا على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية»، على الرغم من أن محافظة خوزستان تحتوي على مصادر طبيعية وثروة نفطية هائلة تشكل نحو تسعين في المائة من صادرات إيران النفطية.
وقد جاءت مواجهات الأسبوع الماضي بين العرب والسلطات الإيرانية فى خوزستان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وفجرت الغضب، خاصة أن العرب الإيرانيين كما بقية القوميات الإيرانية، شهدوا بأم أعينهم سقوط النظام العراقي ووصول شخصية كردية إلى منصب رئيس الجمهورية في بلد مجاور لهم، حيث يشكل العرب 80 في المائة من سكانه.
وفيما تشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أن العرب الإيرانيين لا يتجاوز عددهم مليوني شخص، إلا أن حسين الأهوازي يقدر عددهم بأربعة ملايين نسمة تعود أصولهم إلى قبائل بني كعب وبني تميم وطي وربيعة والخزرج، حيث كانوا يتمتعون دائما، بنوع من الحكم الذاتي بالرغم من العلاقة التي كانت تربطهم بإيران من الناحية المذهبية وكونهم جزءا من الوطن الإيراني، وبالعالم العربي من الناحية القومية، قد لعبوا دورا أساسيا في تاريخ المنطقة وإيران ابتداء من طردهم للبرتغاليين من جزيرة هرمز، إلى مشاركتهم في ثورة الإيرانية 1979، إلا أن سياسات النظام الديني في إيران حيالهم، لم تتغير في جوهرها رغم كل ما كان يرفعه قادة الثورة ورموزها من شعارات إسلامية حول الحرية والعدالة الاجتماعية ورفع الظلم والتميز والدفاع عن حقوق المحرومين والمستضعفين والقضايا العادلة في العالم.
وفي غمرة الأحداث والتطورات المتلاحقة مثل الحرب الإيرانية ـ العراقية، وحرب الكويت، والتطورات العاصفة مثل انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة الذي أدى إلى تغيير جذري في الخارطة السياسية للمنطقة، شهدت الأهواز، على حد قول حسين الأهوازي، بروز نهضة قومية أخذت تزداد شمولا واتساعا إلى درجة صارت معها تفرض بعض المطالب المشروعة، خاصة بعد تسلم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي والإصلاحيين زمام الحكم 1997 . وعلى ضوء هذه المعطيات برز حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي على الساحة بمثابة ثمرة وعي عميق بالمتغيرات الجذرية التي طرأت على الصعيدين الداخلي والدولي، وحصيلة تجارب سياسية مريرة على الصعيدين الإيراني والدولي ليرفع شعار النضال السلمي والحقوق المشروعة للعرب وبقية الطوائف الإيرانية.
ماذا يريد الحزب؟
يعتبر حزب التضامن نضاله جزءا من النضال المشترك لبقية الإيرانيين، كردا وفرسا وآذريين وبلوشا وتركمانا وبختياريين واللور، من أجل السلام والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. ويقول حسين الأهوازي، أحد متحدثي الحزب: «إننا نؤكد ضرورة إيجاد علاقة عضوية بين النضال من أجل الديمقراطية والحرية في إيران، ومن أجل تحقيق المطالب والحقوق المشروعة لجميع أطياف وطوائف الشعب الإيراني، وبما أن السلطة المركزية والثورة التي أوصلتها إلى الحكم فشلت في ردم الهوة الواسعة التي تفصل بين العرب الإيرانيين على الحكم القائم في طهران وقضت على جميع الفرص لبناء الجسور بين الجانبين، فجاءت الأحداث الأخيرة إلى دفع الأمور نحو مقاطعة تامة بين العرب والنظام، خاصة على ضوء مباشرة الأخير بتنفيذ ما يسمى بمشروع قصب السكر كغطاء لاغتصاب أراضي المزارعين العرب، وإقامة مجمعات سكنية لغير العرب في المنطقة، على شاكلة تلك التي تم انشاؤها قبل الثورة بالقرب من مدينة الحويزة، وتغيير مسار تركارون إلى خارج محافظة خوزستان».
وتأكيدا على أن الطائفية ليست لها علاقة بانتفاضة العرب الإيرانيين، يشير حسين الأهوازي إلى أن وزير دفاع إيران، علي شمخاني، عربي من الأهواز، غير أن العرب لم يصوتوا له لما رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية السابقة، بحيث لم تكن اللغة والعرق من العوامل التي دفعت العرب للتصويت، إذ أنهم انتخبوا من اعتبروه صالحا لتولي الرئاسة. كما أن ضرب سيارة شمخاني بالحجارة والطماطم قبل أيام عند زيارته لمدينة الأهواز لمحادثة قادة العرب الإيرانيين، دليل على أن وجود مواطن عربي في مركز القرار، ليس من منظار العرب الإيرانيين مكسبا، وأن ما يريدونه هو أن يعترف النظام الحاكم بحقوقهم ، في إيجاد صيغة مقبولة للحكم وتعميم الديمقراطية في إيران.
April 22, 2005 12:13 PM