الفرصة الأخيرة للنظام والشيخ الرئيس
في ذروة احداث الثورة الايرانية، وبعد يومين من عودة الامام الخميني المظفرة الى طهران من باريس، دخلت مكتب رئيس تحرير صحيفة «اطلاعات»، اكثر الصحف الايرانية انتشارا آنذاك، المرحوم غلام حسين صالحيار، بغية اطلاعه على خبر كنت أريد نشره في صدر الصفحة الاولى وبأحرف كبيرة. «بازركان رئيس وزراء الثورة». وكنت في ذلك الحين مسؤول القسم السياسي للصحيفة ومحرر الافتتاحيات المعنية بشؤون الثورة وتطلعات الشعب.
ورغم ان صالحيار كان يعرف جيدا ارتباطاتي وعلاقاتي الوثيقة مع قادة الثورة ورجال الخميني البارزين، كما انني سبق ان زودته بأخبار خاصة عن التطورات والاتصالات غير المعلنة بين قيادة الثورة والاطراف الداخلية والاجنبية، قد يسبب نشرها في «اطلاعات» في ان يتجاوز توزيع الصحيفة سقف المليون نسخة يوميا. غير انه تلقى الخبر بشكوك لم يستطع اخفاءها بحيث قال: كيف سيصبح بازركان رئيسا للوزراء بينما لدينا معلومات دقيقة عن نية الخميني في تسمية كريم سنجابي (زعيم الجبهة الوطنية) رئيسا لوزراء الحكومة المؤقتة. وما يجب ذكره ان رئيس وزراء ايران الراحل الدكتور شابور بختيار الذي اغتيل في باريس على ايدي عملاء الاستخبارات الايرانية خلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني الاولى في عام 1991، كان لا يزال رئيسا للحكومة بعد رحيل الشاه، وعلاقاته الوثيقة مع شريك نضاله في عهد مرشده الدكتور مصدق، المهندس مهدي بازركان، كانت في رأي صالحيار احد العوامل التي تحول دون ان يسند الخميني اليه منصب رئيس الوزراء.
قلت لرئيس تحرير «اطلاعات»، ان مصدري لهذا الخبر لا يكذب، وهو قد أثبت مصداقيته عندي سابقا، انه اطلعني على اخبار خطيرة كنت قد نشرتها في «اطلاعات» دون ان تسألني من أين جئت بها؟
فرد صالحيار بشيء من الاستياء، من هو مصدرك؟ لن أنشر الخبر ما لم تكشف لي من هو ومدى علاقته بالخميني. قلت انه حجة الاسلام علي اكبر هاشمي بهرماني الملقب برفسنجاني؟ وبدت ان المشكلة قد زادت حدة، بحيث طالب صالحيار بان يعرفه على رفسنجاني، بحيث قال: من هو؟ انني لم اسمع عنه، أليس مطهري وبهشتي ومنتظري ومفتح (أربعة من تلامذة الخميني ومن رجال حاشيته)، من رجال الدين وقطب زاده ويزدي وبني صدر اعضاء مجلس قيادة الثورة؟ من اين جئت برفسنجاني؟
قلت له; ان الشيخ رفسنجاني هو المستشار الاقرب الى الخميني. والى جانب معرفتي الشخصية به خلال فترة وجودي في سجن الحكومة العسكرية، فان زياراتي المتكررة لمقر الخميني في الايام الاخيرة علمتني ان رفسنجاني وليس بهشتي او منتظري او مطهري هو الشخص الذي يعتمد عليه الخميني ويستشيره في صغار الامور وكبارها. لقد وافق صالحيار في نهاية الامر على ان ننشر خبر تعيين بازركان رئيسا للوزراء من قبل الخميني. في ذلك اليوم، وبعد اربعة ايام دعاني رفسنجاني لحضور مراسم تنصيب بازركان في قاعة الاجتماعات بمدرسة علوي حيث كان الخميني يقيم منذ عودته وحتى يوم ذهابه الى قم بعد حوالي اسبوعين من انتصار الثورة.
شاء القدر ان أغادر بلدي كرها، فيما حافظ الشيخ رفسنجاني على موقعه كرجل الخميني الاول خلال عهد الخميني، وان يصبح رجل ايران الاول بعد وفاته. ورغم انه وافق على ان يكون السيد علي بن الجواد الحسيني الملقب بخامنئي شريكا له في الحكم بعد رحيل استاذهما ومرشدهما الخميني، الا ان صانع الملوك the kingmaker، ظل الرقم الاعلى في معادلة السلطة بايران بتوليه رئاسة الجمهورية لفترتين متتاليتين.
وكان يأمل بدعمه لخاتمي ووضع امكانياته تحت تصرف ائتلاف اليسار الاسلامي والليبراليين المتحالف مع خاتمي ضد ائتلاف الولي الفقيه والمحافظين، بأن لا يكون رد الاصلاحيين الجميل له، اقل من ان يظل العراب Godfather.
ورغم ان علاقات رفسنجاني مع الاصلاحيين سرعان ما سادتها الخلافات اثر رفض قادة الحركة الاصلاحية الاعتراف بدور رفسنجاني والمشي خلفه، وايضا عدم ادراج اسمه في قائمة المرشحين الاصلاحيين خلال الانتخابات البرلمانية للدورة السادسة لمجلس الشورى الاسلامي التي فاز الاصلاحيون خلالها بشكل كاسح، الا ان الشيخ الرئيس، كان اذكى من ان يمد يده نحو المحافظين والاصوليين الجدد (التيار الذي ينتمي اليه محمود احمدي نجاد عمدة العاصمة ومنافس رفسنجاني في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية). وطيلة سنوات رئاسة خاتمي ومع الضربات المتلاحقة التي تلقتها جبهة الاصلاحات، اصبحت الانظار، بما فيها انظار العديد من الشخصيات الاصلاحية تتجه نحو قصر ملكة الأم (قصر والدة الشاه حيث اتخذ رفسنجاني مقرا لمجمع تشخيص مصلحة النظام).
مرة اخرى يواجه الايرانيون امتحانا صعبا، بحيث امامهم خياران، احدما مر والثاني بطعم سم لا يعرفون عنه كثيرا.
هناك هاشمي رفسنجاني الذي يقول: لست رفسنجاني الذي كنتم قد عرفتمونه منذ قيام الثورة وحتى الانتخابات الرئاسية الاخيرة. لقد علمتني الاحداث والتطورات التي شاهدتها في السنوات الاخيرة انني لا بد ان أغير خطابي وأسلوب عملي ومنهج تفكيري.
كنت براغماتيا واليوم اصبحت اصلاحيا براغماتيا، وبانتخابي، أنتم ايها الشباب والنساء، قد تختارون مسيرة الاصلاحات من جديد، ولكن خلافا لخاتمي، فانني لن ارفع يدي للاستسلام امام الولي الفقيه والمحافظين، وبيني وبين نائب امام الزمان خمسين عاما من الصداقة والزمالة، انني اعطيته، مفتاح بيت الولاية، وألبسته رداء القيادة بعد وفاة الامام الخميني، لهذا فانه يعرف جيدا بأنني لن أكون موظفا بمكتبه بل شريكا في الحكم.. لقد سمعت عبارات بهذا المضمون من احد مستشاري رفسنجاني قبل بضعة اسابيع وقمت بنشرها اضافة الى ما قاله مستشار الشيخ الرئيس حول النظرة الرفسنجانية الى قضايا حساسة مثل; الملف النووي، والسلام العربي ـ الاسرائيلي، والعلاقات مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبعد اسبوعين من نشر تقريري في «الشرق الأوسط» تحدث رفسنجاني نفسه عن قبوله بمشروع ولي العهد السعودي الامير عبد الله للسلام بين العرب والاسرائيليين، كما انه وفي الوقت الذي كان المرشد خامنئي ورجال الدين المتشددون يشنون حملات شخصية لا مثيل لها ضد الرئيس الاميركي جورج بوش، اكتشف الشيخ الرئيس في تصريحات ومواقف جورج بوش ايجابيات كثيرة، لم يكتف بترحيبه ازاءها، بل اعتبرها بداية خيرة لفتح صفحة جديدة في كتاب العلاقات مع الولايات المتحدة. ولا يختلف اثنان في ايران من ان المرشد غير مرتاح، بل مستاء حيال ترشيح رفسنجاني، ناهيك من احرازه المرتبة الاولى بين المرشحين في الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية. والشيخ الرئيس كما سبق ذكره لن يكون سكرتيرا عند الولي الفقيه بينما محمود احمدي نجاد الذي من مصادر اعتزازه مشاركته الفعالة في قمع المعارضين ودوره في توسيع دائرة عمل استخبارات الحرس فضلا عن كونه القارئ الخاص للموشحات الدينية، للولي الفقيه وأسرته، هو يحظى بكافة الصفات التي يطالب خامنئي بأن يتحلى بها سكرتيره، اذ انه يتبع الاوامر ويطيع التعليمات الموجهة اليه من الـ«آغا» ـ أي خامنئي.
رفسنجاني لا ينظر الى العالم باعتباره أسود أو أبيض، بل دائما ينظر الى الساحة الرمادية، ومما يروى عنه، انه قال ذات يوم لعدد من زواره من الايرانيين المغتربين الذين اشتكوا من قلة مراكز الترفيه في ايران، لا تطلبوا مني فتح الكباريهات حاليا، غير انه لو اقتضى الامر، فانني سأقيمها. وما من شك بأن الملايين ممن لم يصوتوا يوم الجمعة الماضي تلبية لدعوة المقاطعة التي اطلقتها المعارضة، والملايين ممن صوتوا للشيخ كروبي ومصطفى معين ومهر علي زاده المرشحين الاصلاحيين سيدلون يوم الجمعة المقبل بأصواتهم للشيخ الرئيس ليس بسبب حبهم له. بل كما يقول المثل ليس حبا لمعاوية بل بغضا لعلي او لمحمود احمدي نجاد. وأشعر ان رفسنجاني الذي حصلت خلال فترة رئاسته، جرائم خطيرة بحق المعارضة سقط خلالها عدد من ابرز قادة المعارضة والكتاب والمثقفين البارزين
كما ان الفساد، قد انتشر في عهده بشكل لا مثيل له، يرغب هذه المرة في ان يجعل السنوات الاخيرة من حياته السياسية، سنوات قد يذكرها التاريخ بايجاب، انه جاء الى الحكم على ظهر الثورة، ويبدو لي، انه يريد اليوم ان يخرج من دائرة الحكم ويحمل معه نكبات ومشاكل الثورة. وقد قال لي أحد الصحافيين القريبين من رفسنجاني ان الشيخ ينظر الى الامور حاليا من منظار متهم، قد اعطاه القاضي فرصة اخيرة كي يقوم بتصحيح اخطائه، وان يصبح نزيها ومطهرا قبل انتقاله الى العالم الباقي.
إيران لم تعط النظام أربع سنوات أخرى لكي يدخل الاصلاحات في جسده بنفسه فحسب، بل سوف تعطى يوم الجمعة المقبل أربع سنوات الى رفسنجاني كي يجمع بساط الثورة التي كان هو من أبرز قادتها.
* الباحث بمركز الدراسات العربية ـ الإيرانية ورئيس تحرير نشرة ة «الموجز» عن إيران
June 20, 2005 11:53 AM