انقسام في صفوف الايرانيين بعد الانتخابات
أحمدي نجاد يحث على المصالحة الوطنية ورفسنجاني يهاجم "من قرروا إضعاف الثورة"
لندن: على نوري زاده طهران: محمد صالح صدقيان
في أول رد فعل له بعد اعلان فوزه رسميا فى الانتخابات الرئاسية الايرانية، حث الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد الايرانيين على تنحية خلافاتهم، واغلاق صفحة الانتخابات وذلك وسط انقسامات غير مسبوقة في الشارع الايراني وبين النخبة السياسية، بعد استكمال المحافظين السيطرة على كل مؤسسات السلطة في البلاد،
مما يضع الاصلاحيين والمعارضين في مواجهة مستقبل مظلم، خاصة وان نجاد لم يخف انه سيطبق سياسات متشددة على الصعيد الاجتماعي والثقافي. ويأتي ذلك فيما اتهم المرشح الرئاسي الخاسر اكبر هاشمي رفسنجاني خصومه باستخدام امكانات الدولة بشكل «غير شرعي» للانتصار عليه في الانتخابات الرئاسية. وندد رفسنجاني في رسالة الى الايرانيين وزعتها وكالة الانباء الطالبية ايسنا «بالذين قرروا من اجل اضعاف منافس، اضعاف الثورة نفسها.. والذين انفقوا مئات المليارات من الريالات من اموال الشعب، لتشويه سمعتي أنا وعائلتي». وأضاف «لقد استخدموا كل امكانات الدولة بطريقة منظمة، وغير شرعية للتدخل في الانتخابات». وتابع «كلي أمل أن تتخلص البلاد من هؤلاء الاعداء، وهؤلاء المستفيدين الذين لا يردعهم ضمير أو قانون»، وأكد رفسنجاني اخيرا «إنني لا انوي الطعن امام قضاة، اكدوا انهم لا يستطيعون أو لا يريدون القيام بشيء»، في تلميح واضح الى مجلس صيانة الدستور هيئة التحكيم الاساسية في النظام الاسلامي القائم. ولم يتضح فورا، ما اذا كان رفسنجاني سيظل في منصبه الحالي كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام القوي، وهو هيئة تحكيم تفصل في المنازعات السياسية اذ تعالت نداءات من انصاره، تحثه على المغادرة، غير انه لم يصدر أي رد فعل منه حول هذا الموضوع. من ناحيته، قال أحمدي نجاد في تصريحات اذاعتها الاذاعة الحكومية، هي الاولى منذ اعلان فوزه في الانتخابات «اليوم هو يوم يجب علينا فيه، أن ننسى كل خلافاتنا، وان نحولها الى صداقة». وأضاف «نحن أمة واحدة وعائلة كبيرة واحدة، يجب ان نساعد بعضنا البعض لاقامة مجتمع عظيم». وقال في الحديث المسجل «هدفنا الرئيسي اليوم، هو اقامة أمة اسلامية نموذجية متقدمة وقوية». ولم يصدر أحمدي نجاد أية بيانات عن الخطوط الرئيسية لسياسته، لكنه قال ان السياسة النفطية في رابع أكبر منتج للنفط في العالم، في حاجة الى توضيح. وقال «اكبر رأسمال للبلد اليوم، هو صناعة النفط واحتياطاتنا النفطية». واستطرد قائلا من دون ان يذكر تفاصيل «المناخ الذي يحكم صفقاتنا وانتاجنا وصادراتنا ليس واضحا. يجب ان نوضحه». ومضى قائلا ان من الاولويات الاخرى لحكومته، التي ستتولى السلطة في أغسطس (آب) القادم «تصحيح النظام المصرفي، وحل المشكلات الملحة للشباب». وكان قد انتقد اثناء حملته الانتخابية البنوك، لأنها تفرض أسعار فائدة مرتفعة على القروض وقال انه سيلبي حاجات الشباب للاسكان والوظائف. وتابع «انني فخور بالتأكيد، لأن الشعب الايراني انتخبني. لكن أكثر من ذلك، أنا فخور لأن أتمكن من العمل من اجل ايران.. الآن في البلدية، وفي المستقبل في الرئاسة». وأضاف «إنني أشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي». وفي وعد لا يخلو من دلالة، قال نجاد انه سيعطي الافضلية للشركات النفطية الوطنية على الشركات الأجنبية، في العقود النفطية وبارساء «شفافية» أكبر في هذا القطاع. وقال «ان اكبر ثروة لشعبنا اليوم، هي الصناعة والموارد النفطية. اعتقد اننا اذا ارسينا شفافية اكبر، واذا سهلنا الامور، واذا نفذنا فعلا في البلاد جزءا مما يمكن ان ينفذ فيها، فإننا سنوفر بذلك مبالغ مالية لا بأس بها». واضاف «لامر البارز اليوم في شأن صناعتنا النفطية، هو ان هناك نقصا في الشفافية يحيط بالانتاج والتصدير والتجارة، ويجب ان تكون هناك شفافية اكبر». وتابع «هذه الشفافية ستسمح لنا بتوفير في الموارد». وبدا كأنه يهدف من هذه التصريحات الى تهدئة القلق، الذي اثارته تصريحاته قبل ايام حول النفط. فقد طالبت وزارة النفط الايرانية الاربعاء نجاد بتقديم اعتذار، بعد ان تحدث عن سيطرة عائلة معينة على القطاع النفطي، في هجوم كان يستهدف في الواقع منافسه اكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تملك عائلته مصالح نفطية كبيرة. وكان نجاد قال الاثنين امام عدد من النواب «منذ سنوات والعائدات النفطية موجودة عمليا بين ايدي عائلة واحدة، وعصابة سياسية تحركها السلطة والمال، وتعمل على الاستئثار بكل ثروات البلاد».
ومعظم الشركات النفطية الأجنبية الكبرى موجودة في ايران. الا انها تخضع لنظام العقوبات الاميركية وللقوانين الايرانية التي تحظر على الشركات الاجنبية الاستثمار المباشر. اذ تعمل الشركات الاجنبية في الحقول النفطية، لصالح الحكومة الايرانية التي تعود وتدفع لها مرتباتها من عائدات هذا النفط، بموجب حصص تنص عليها العقود المسبقة. ويحظر الدستور الإيراني «السيطرة الاقتصادية الأجنبية على الاقتصاد الوطني»، الذي يشكل النفط والغاز عموده الفقري.
كما اعتبر نجاد ان اعداء ايران منوا «بالفشل والهزيمة» في اشارة الى الولايات المتحدة.
وقال «وسط الحرب النفسية الشرسة الجارية، هزمت ايران كل اعدائها من خلال المشاركة الواسعة في الانتخابات». واضاف «كما انها افشلت كل المعادلات المتصورة ضدها في العالم».
وقلل من أهمية فوزه في الانتخابات. وقال «انا فخور بأن يكون الناس عبروا لي عن ثقتهم وتعاطفهم. وفوق كل هذا، هناك شرف الخدمة، سواء من خلال مسؤوليتي كعمدة او كرئيس، او عامل تنظيفات على الطرقات». وأوضح «تتمثل مهمتنا الكبرى اليوم في بناء مجتمع اسلامي نموذجي متطور وقوي في ايران»، مضيفا «ما اشعر به هو نفس ما شعرت به، عندما اصبحت عمدة طهران». الى ذلك، حث المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، رفسنجاني على أن يظل منخرطا في السياسة. كما حث خامنئي الذي له القول الفصل في أمور الدولة الاسلامية، الايرانيين على تنحية خلافاتهم جانبا بعد الحملة الانتخابية المثيرة للانقسامات، وذلك في أول تصريح له منذ فوز نجاد. وقال في بيان اذاعه راديو ايران امس «اهنئ الرئيس المنتخب الدكتور محمود أحمدي نجاد، لتوليه هذه المسؤولية الحساسة». كما اشاد خامنئي برفسنجاني، وقال «أتوجه بشكر مخلص لجميع المرشحين، خصوصا آية الله هاشمي رفسنجاني، وهو ثروة للثورة وشخصية بارزة، وأتمنى أن تكون رغبة شقيقي العزيز، دائما أن يظل فاعلا في الميادين المهمة». وكانت الهزيمة الانتخابية ضربة قاصمة لرفسنجاني، 70 عاما، الذي كان يأمل في استعادة المنصب، الذي شغله فيما بين عامي 1989 و1997. ولم يتضح ان كان سيظل في منصبه الحالي كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام القوي وهو هيئة تحكيم تفصل في المنازعات السياسية. وأثنى خامنئي على الايرانيين لدورهم في انجاح الانتخابات حيث شارك 60 في المئة من الناخبين. وقال «أظهرتم للاصدقاء والاعداء، وحدة وطنية وتعاونا». وأشارت النتائج الرسمية للانتخابات، الى ان رئيس بلدية طهران المتشدد، هزم بسهولة السياسي المخضرم أكبر هاشمي رفسنجاني، وحصل على 62 في المئة من الاصوات. وقال محللون ان أحمدي نجاد، 48 عاما، حصل على تأييد الفقراء المتدينين لانزال الهزيمة برفسنجاني، الذي ساندته الاحزاب المؤيدة للاصلاح والايرانيون الاثرياء، الذين يخشون أن يفرض أحمدي نجاد قواعد أخلاقية صارمة، وأن يزيد عزلة ايران عن الغرب، وبفوزه يكون المحافظون قد استكملوا السيطرة على السلطة. وكانت الرئاسة آخر موقع خارج عن سيطرتهم في السلطة، وقد انتهى ذلك الجمعة.
وكانت صحيفة «كيهان» الناطقة باسم المحافظين المتشددين تعتزم الصدور امس، بالعنوان التالي «الامة الايرانية انهت العمل»، بحسب ما ذكرت وكالة الانباء الايرانية الرسمية ليل الجمعة السبت. الا ان المدعي العام في طهران سعيد مرتضوي، أجبر الصحيفة على تغيير طبعتها. فبالنسبة الى اليمين المتشدد، فإن الامة هي التي جعلت «الديمقراطية الاسلامية تنتصر».
ومن ابرز مؤسسات هذه الديموقراطية الاسلامية، مجلس صيانة الدستور، الذي يعتبر الهيئة الرئيسية في النظام الاسلامي. وقد ساهم الى حد كبير في استعادة السيطرة. ويتألف المجلس من اثني عشر رجلا، ستة قانونيين وستة رجال دين، يخضعون لسلطة المرشد الأعلى للجمهورية. وعمد هؤلاء الى تفكيك المعسكر الاصلاحي، الذي بدأ بالوصول الى سدة الرئاسة في 1997 ثم بالسيطرة على البرلمان في 2000. والاصلاحيون بدأوا يخسرون في 2003 عندما هزموا في الانتخابات البلدية، نتيجة مقاطعة واسعة أوصلت المحافظين الى المجالس البلدية.
وفي العام الماضي، سيطر المحافظون على مجلس الشورى نتيجة مقاطعة نسبية ايضا، ولكن الاهم نتيجة الرقابة التي مارسها مجلس صيانة الدستور، برفضه ترشيحات اكثر من الفي مرشح، كلهم تقريبا من الاصلاحيين. وشهدت الجمهورية الاسلامية في حينه، في السنة الخامسة والعشرين لتأسيسها، احدى ابرز ازماتها السياسية. ومع ذلك، لم تمنع الاعتصامات والاستقالات وصول غالبية ساحقة من المحافظين الى البرلمان في مايو (ايار) 2004.
June 26, 2005 01:13 PM