إيران تستخدم الصحافيين كأداة في «حرب النفوذ» مع أميركا في أفغانستان
استخبارات طهران تتدخل فى محتوى الأخبار وتؤلب على الأميركيين باستغلال الاختلافات الثقافية
لندن: علي نوري زاده
يشكو كتاب وصحافيون في افغانستان من محاولات ايرانية لتجنيدهم، لنشر مقالات تنتقد الوجود الأميركي في افغانستان، عبر استغلال الاختلافات الدينية والثقافية. وكشف كتاب وصحافيون أنهم تعرضوا لتهديدات من مسؤولين ايرانيين، كما تمت محاولة اغرائهم بعرض مناصب عليهم فى وسائل اعلام تعمل في افغانستان، وتمولها الاستخبارات الايرانية بطريقة سرية. وقال محمد رضا شير محمدي، وهو مراسل في القناة التلفزيونية التجارية الأولى في افغانستان، وتدعى «تولو»، إن إيران حاولت تجنيده ليدخل معسكرا اميركيا، ويقدم تقريرا عن حياة الجنود الاميركيين.
وقال شير محمدي «قالوا لي نستطيع ان نجعلك رئيس شركة انتاج تلفزيونية نؤسسها في هيرات، وتستطيع ان تصور فيلماً من المعسكر الأميركي أو أي معسكر أجنبي لتظهر ما يفعلونه هنا». وأضاف «قلت لهم إن بلادنا في أيد أجنبية، ولكننا نستفيد منهم الآن، وتركوني». وتابع «البرامج التلفزيونية الإيرانية تدعي أن الدستور الافغاني هو دستور أميركي وضد تعاليم القرآن الكريم».
وعن البرامج الايرانية التي يشاهدها الكثير من سكان افغانستان الغربية، الذين يتكلمون الفارسية، قال شير محمدي انها «تقول لنا بأنه لو كان الجنود الايرانيون في افغانستان، فلن يتصرفوا مثل الاميركيين». وأضاف انه عندما استضاف برنامجاً لمناقشة تصريحات الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد «لمحو اسرائيل من على وجه الخريطة»، تلقى اتصالات من «أئمة اتهموني بأنني لدي اجندة خفية ضد ايران، وان قناتي تعمل لصالح الولايات المتحدة».
وقال رئيس منظمة غير حكومية تدعى «شباب افغانستان المتنور» وهو ناصر احمد رها، انه تسلم تهديدات بالقتل بعدما كتب مقالات تحذر من التدخل الايراني في غرب افغانستان. وشرح رها، انه في بداية شهر يناير (كانون الثاني)، اتصل به عنصر من المخابرات الافغانية وقال له «لا تكن ضد ايران، سيقتلونك». وجاء الاتصال بعد نشر مقالين ينتقدان التدخل الايراني في بلاده، في منشورة توزعها منظمته ومقرها هيرات. وكشف عدد من الكتاب والصحافيين الافغان عن الطريقة التى تستخدمها السلطات الايرانية من اجل تأليب الافغان العاديين الذين يستمعون ويشاهدون المحطات التلفزيونية والاذاعية التي تمولها ايران ومن بينها الحديث عن تفتيش الجنود الاميركيين للنساء الافغانيات او ملابسهم او افكارهم الداعية الى تحرر النساء. ولا تعد المحاولات الايرانية للتدخل في افغانستان جديدة بأي حال من الاحوال، فحينما شكل عبد العلي مزاري الزعيم الشيعي الأفغاني حزب «الوحدة» عقب دمج سبع منظمات وفصائل شيعية أواخر الثمانينات في القرن الماضي، كانت الجهات المعنية بالشأن الأفغاني في الحرس الثوري الايراني ومكتب المرشد الأعلى، واثقين بأنهم قد يملكون حصان طروادة بعد دخول المجاهدين مدينة كابل عقب سقوط حكومة الدكتور نجيب الله غداة انسحاب الجيش الأحمر السوفياتي. غير ان احلامهم تحولت الى اضغاث احلام بسبب الاستقلالية التي أبداها مزاري عقب تشكيل حكومة المجاهدين في كابل. وقتل مزاري على أيدي طالبان في مزار شريف بشكل وحشي ونتيجة لرفض الحرس الثوري نداءاته المتكررة للسماح لمقاتلي حزب الوحدة الموجودين في ايران بدخول افغانستان.
وخليفة مزاري، هو عبد الكريم خليلي نائب الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي ظل على منهج سلفه بحيث قاوم بقوة محاولات اجهزة الاستخبارات الايرانية لفرض اجندتها على حزب الوحدة. واغراءات ايران المادية وتهديدات الحرس، الى جانب محاولات الاستخبارات الايرانية لاثارة بعض قيادات الحزب ضد خليلي، لم تنجح في تغيير منهجه واستقلالية حزبه. وبعد سقوط طالبان، حاولت الاجهزة الايرانية المعنية بالشأن الافغاني عبر دعم احد امراء الحرب الشيعة الاستاذ محقق، النيل من خليلي وزعزعة مكانته، واحد اسباب اثارة الرأي العام الشيعي ضد خليلي، والذي اعتمدت عليه اجهزة الاستخبارات الايرانية كان انشاء مؤسسات اعلامية ودينية تحت رئاسة رجال الدين الشيعة الافغان الدارسين في الحوزات الدينية في قم.
ووفقا لمصدر قريب من حزب الوحدة الافغاني فان العشرات من الصحف والنشرات واشرطة الكاسيت والفيديو تدخل افغانستان حاليا عبر مدينة هيرات القريبة من الحدود الايرانية، بمطالب محورها اثارة الكراهية والنفور ضد الولايات المتحدة وحكومة كرزاي وحزب الوحدة وزعيمه عبد الكريم خليلي. الى ذلك فان المئات من الافغان الشيعة والطاجيك الذين تلقوا تدريبات عسكرية وايديولوجية، قد انشأوا في افغانستان بتمويل ايراني مدارس وحسينيات ومحلات بيع الاشرطة والكتب الدينية المتفق مضمونها مع التفسير الرسمي الايراني عن الدين القائم على مبدأ ولاية الفقيه. علما ان حزب الوحدة يعارض ولاية الفقيه بشدة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن بعض الصحف والمجلات الفارسية الصادرة في افغانستان التي تمولها الاستخبارات الايرانية تستغل اجواء حرية التعبير التي تسود افغانستان بفضل عدم وجود رقابة رسمية واصرار الاميركيين وحلفائهم على تعزيز اسس الديمقراطية عن طريق الصحافة والاعلام الحرة، لنشر المواد المعدة في السفارة الايرانية. وخلال زيارة وزير خارجية ايران منوشهر متقي في العام الماضي، نشرت هذه الصحف تصريحاته المناهضة لاميركا والداعية الى طرد الاميركيين من افغانستان ما اثار احتجاج اميركا الرسمي، وغضب الحكومة الافغانية التي اعتبرت تصرحات متقي غير مقبولة بحيث تشكل تدخلا سافرا في شؤون افغانستان الداخلية. والغاء زيارة كرزاي لطهران بذريعة سوء الاحوال الجوية، كان في الواقع تعبيرا عن مدى استياء الرئيس الافغاني من سياسة طهران لا سيما بعد انتخاب احمدي نجاد، تجاه بلاده.
والمثير في الامر، انه بينما فرضت الحكومة الايرانية رقابة على وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية في الانترنت، فانها تبكي في اجهزة اعلامها لا سيما تلك الموجهة الى الرأي العام الافغاني على انعدام الحريات في افغانستان ومصادرة الصحف، علما ان حكومة كرزاي، لم توقف اي صحيفة، واذا كانت هناك شكاوى قانونية من قبل الافراد او المؤسسات، فان المحاكم الافغانية العادية وليس محاكم الثورة مثل ايران، تنظر في هذه الشكاوى. والاحكام الصادرة عن هذه المحاكم لا تتعدى فرض عقوبة مالية او ارغام الصحيفة على نشر اعتذار رسمي بسبب ما نشرته سابقا.
February 19, 2006 08:07 AM