خوزستان.. المواطنة والاندماج
تكررت الاضطرابات في المنطقة التي تسكنها أغلبية عربية لأسباب متباينة .. إلا أن جذورها تعود لسنوات
لندن: علي نوري زادة
على مدار الشهر الماضي، تكررت الانباء عن اعمال عنف واضطرابات في منطقة خوزستان الايرانية التي تسكنها اغلبية عربية. وبالرغم من ان بعض هذه الاضطرابات يبدو مرتبطا بقرار تنفيذي راهن او حادث أمني عارض، الا ان العلاقة بين السكان العرب في خوزستان والسلطات المركزية في طهران، طالما عانت من حساسية بدأت حتى قبل الثورة الايرانية عام 1979، وقبل الحرب بين ايران والعراق عام 1981 بسبب التهميش السياسي والفقر الاقتصادي الذي يعيش فيه الاقليم وابناؤه. فما هي خصوصية خوزستان، وما هو تاريخ الوجود العربي في الاقليم واسباب الحساسيات بينه وبين النظام الايراني؟
كلمة «خوزستان» هي الاسم التاريخي والقديم لمقاطعة «خوزستان» الحالية وعاصمتها مدينة «الاهواز». وقد اطلقت كلمة «عربستان» على المقاطعة منذ اواخر عهد ملوك زند، وبعدها في عهد اسرة الفاجار حيث كانت ايران تدعى المملكة الايرانية المحروسة، وتتكون من عدة اقاليم، منها عربستان حيث كان مشايخ بن كعب يتولون الامارة ولكنهم كانوا جميعا مطيعين للحكومة المركزية بطهران. وأواخر عهد الفاجار الذي تصادف مع الحرب العالمية الاولى ودخول القوات البريطانية والروسية والعثمانية الاراضي الايرانية لم تكن الحكومة المركزية قادرة على ضبط حدود البلاد، فحاول الشيخ خزعل امير خرمشر (المحمّرة آنذاك) الانفصال عن ايران بدعم من الانجليز، غير ان رضا خان بهلوي الذي كان رئيس الوزراء وقائدا للجيش، توجه على رأس ألفين من جنوده الى خوزستان حيث استسلم الشيخ خزعل وارغمه رضا خان (رضا شاه بهلوي فيما بعد) على مغادرة خرمشهر والذهاب الى طهران ليعيش في المنفى وتحت الاقامة الجبرية حتى وفاته، غير ان ابناءه الذين ابدوا ولاءهم لابن رضا شاه، محمد رضا شاه بهلوي كانوا يحظون بامتيازات هامة، ومنهم من دخلوا البرلمان ومجلس الشيوخ والبلاط الملكي. ويبلغ عدد سكان الاقليم حاليا حوالي 5 ملايين نسمة اغلبيتهم من العرب الشيعة الى جانب البختياريين واللور والفرس الذين يقطنون المناطق الشرقية خاصة الجبلية منها.
اما بالنسبة للعرب فاقدم ذكر للوجود العربي يعود الى قبل الاسلام حيث يؤكد المؤرخ الايراني المعروف احمد كسروي ان هذه المنطقة سكنتها كل من قبائل «بكرين وائل» و«بني حنظلة» و«بني العم». وبالنسبة للقبائل التي تتكون جذور الاهوازيين منها تأتي على رأسها قبيلة «بني كعب»، حيث يبلغ عدد المنتمين اليها حوالي المليون ونصف المليون نسمة، وتتبعها «بني طرف» و«ربيعة» و«كنانة» و«تميم» و«خزرج» و«آل كثير» و«آل خميس»، وهناك «عرب الهولة» الذين يقطنون «برازجان» و«لنجة« و«قشم» و«شيخ شعيب» و«قيس» وبالقرب من مضيق هرمز. كما تسكن قبائل «الصرخة» في الجنوب من اقليم «ايلام» وقبائل «عرب باصري» و«الجبابرة» و«آل شيبان» في اقليم فارس والمهجرين الى خراسان في فترة حكم رضا شاه الذين يسكنون في بلدة «عربخانة» كما توجد قبائل عربية اخرى في مناطق «سمنان» و«كرمان» و«جنوب خراسان». ويؤمن اقليم الاهواز 85% من النفط الايراني، ويضم 8 انهر اهمها «كارون» و«الكرخة» و«الجراحي». وتعد اراضي الاقليم الزراعية من اخصب الاراضي حيث تكونت من تراكم طمي الانهر وتراجع مياه الخليج خلال مراحل جيولوجية ليست ببعيدة، فوقوع الاقليم على رأس الخليج في منطقة قريبة من العراق والكويت والمملكة العربية السعودية يمنحه اهمية استراتيجية لا تقل عن اهميته الاقتصادية القصوى، وهذا يميزه عن الاقاليم الايرانية الاخرى وفي الظروف الطبيعية بامكان الاقليم ان يصبح جسرا يربط ايران بالعالم العربي وبالعكس نظرا للمؤهلات القومية والاقتصادية والجغرافية. وبالرغم من الثروة الطبيعية التي يتمتع بها الاقليم، الا ان سياسات الحكومات الايرانية المتعاقبة حياله تميزت بعدم الكفاءة والعدالة، مما ادى الى تدهور الوضع المعيشي للسكان العرب، وتأخر الاقليم على جميع الاصعدة. وبعد الثورة الايرانية عام 1979 لم تتغير سياسات الحكام الجدد تجاه العرب الايرانيين، على الرغم من مساهمة الاهوازيين الفاعلة في تفجير الثورة وانتصارها، وبرغم كل ما كان يرفعه قادة الثورة ورموزها من شعارات ثورية حول الحرية والعدالة الاجتماعية ورفع الظلم والتمييز، والدفاع عن حقوق المحرومين والمستضعفين، وفي صيف عام 1979 وعقب تأسيس المجلس الثقافي للعرب الايرانيين في خرمشر، الذي كان قد رفع بعض الشعارات حول مطالب المواطنين العرب، وقعت مواجهات دامية بين الشبان العرب الايرانيين ورجال الكومية (اللجان الثورية) اسفرت عن قتل وجرح المئات من العرب. وهكذا لم تفشل الثورة الايرانية في ردم الهوة الواسعة التي تفصل الاهوازيين عن الدولة الايرانية فحسب، بل قضت على فرص بناء جسور بين الجانبين، مما دفع الامور نحو مقاطعة تامة بينهم وبين النظام، خصوصا بعد ان باشر هذا الاخير بتنفيذ ما يسمى بمشروع «قصب السكر» الذي جرى استخدامه كغطاء لاغتصاب اراض شاسعة، ضمن مخطط توسعي يقضي باقامة مستوطنات من مواطنين فرس على حساب العرب.
كما ان الحرب الايرانية العراقية لعبت بدورها دورا في زيادة الهوة بين الطرفين، اذ ان بعض الاشخاص قد لعبوا على وتر القومية الفارسية، مقابل القومية العربية واستطاعوا ركوب موجة الحرب، فتمكنوا من طرد منافسيهم من دائرة الحكم، والاستئثار بالنفوذ والسلطة في البلاد. وعلى الساحة الاهوازية استخدم النظام الايراني الحرب وما رافقها من ظروف واوضاع استثنائية لفرض اجواء بوليسية، وصعد العمليات التعسفية ضد الاهوازيين، وذلك بالرغم من ان اهل الاهواز لم ينخدعوا بالشعارات التي اطلقها نظام صدام حسين، ورفضوا دعمه كعرب في الحرب على حساب انتمائهم لايران. وفي غمرة هذه الاحداث وبسبب التطورات المتلاحقة بعدها، شهدت الحركة الوطنية في الاهواز انعطافا تاريخيا تمثل في بروز «نهضة قومية عربية» اخذت تزداد اتساعا وشمولا ونفوذا الى درجة صارت معها تفرض بعض مطالبها على النظام، خاصة بعد تسلم فريق الاصلاحيين بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي زمام السلطة التنفيذية في ايران عام 1997، والذي حصل على الاغلبية المطلقة من اصوات الاهوازيين في الانتخابات الرئاسية.
ومما ساعد على تعاظم مسألة القومية العربية، الظروف الموضوعية التي جاءت بها التطورات السياسية والاجتماعية بالغة الاهمية والتي طرأت على المساحة الايرانية بصفة عامة، والساحة الاهوازية بوجه خاص خلال السنوات القليلة الماضية. فعلى الصعيد الداخلى، تفاقم الصراع على السلطة في طهران، وفشل نظام ولاية الفقيه في تحقيق معظم شعاراته ومشاريعه الاصلاحية، وتعددت الازمات السياسية والاقتصادية والمعيشية، وتراجعت المناعة الأمنية للنظام وتصاعد المد القومي لدى القوميات غير الفارسية، ومن بينهم العرب. وعلى مستوى الحياة اليومية في الاهواز، تدنى مستوى الخدمات الى حد كبير في الاقليم، وتفشى الفقر وارتفعت البطالة الى ارقام قياسية، وانتشرت ظاهرة ادمان المخدرات وتلوث البيئة ومياه الشرب. وما الاضطرابات التي اندلعت في الاهواز العاصمة وانتشرت بسرعة هائلة الى مختلف مدن خوزستان في ابريل (نيسان) الماضي، الا شرارة فجرت تراكمات هائلة كانت تبحث عن سطح تطفو عليه. وقد ادت هذه الاوضاع الى ظهور احزاب وتنظيمات سياسية عربية في الاهواز تعمل على تحسين اوضاع عرب ايران، وأهم تنظيم على الساحة الاهوازية الان وهو «حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي» الذي يعد اول تنظيم في ايران برمتها يتبنى النضال السلمي في بيانه السياسي وينظر له انطلاقا من الايمان بضرورة اختيار الادوات التي توائم خصوصيات الوضع الراهن في ايران بشكل عام وفي اقليم الاهواز بشكل خاص، لاسيما ان هذا التنظيم يعتبر نضال العرب الاهوازي جزءا لا يتجزأ من نضال الشعب الايراني، وهذا ما دفع قادة الحزب الى التحالف مع تنظيمات تمثل القوميات الايرانية الاخرى من خلال مؤتمر «اقوام ايران الفيدرالية»، الى جانب «الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني»، و«حزب كادحي كردستان ايران» و«حزب الشعب البلوشي»، و«الحركة الوطنية لبلوشستان ايران»، و«الجبهة المتحدة لبلوشستان ايران» و«المركز الثقافي الاذربيجاني» و«منظمة الدفاع عن حقوق الشعب التركماني». لكن هناك تنظيمات اهوازية اخرى على الساحة تدعو الى الانفصال عن ايران مثل «الجبهة العربية لتحرير الاحواز»، و«المنظمة العربية لتحرير الاحواز» (ميعاد)، و«حزب النهضة العربي الاحوازي»، لكن هذه المنظمات تعمل في اطار نشاطات محدودة جدا. وهناك تنظيمات اخرى ترفض العنف كـ«الحزب الوطني العربستاني»، و«التجمع الوطني في الاحواز»، الذي يعد قريب من حزب «التضامن الديمقراطي الاهوازي». اما التنظيم الوحيد المثير للجدل على الساحة الاهوازية فهو «مجلس التحرير الوطني الاحوازي» الذي اخذ على عاتقه مسؤولية الانفجارات الاخيرة في الاهواز العاصمة ويقوده شخص يسمى خزعل الهاشمي. ومع ان الحركات السياسية في الاهواز ما زالت تعمل الى حد كبير في اطار المعارضة السياسية السلمية، الهادفة الى تحسين مستويات العرب الاهواز، وتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية بما ينسجم مع اوضاع ايران، الا ان تطورات المستقبل تعتمد الى حد كبير على السلطات الايرانية، ففي النهاية لا يمكن للقومية العربية ان تشعر بالمواطنية الايرانية، اذا كانت السلطات المركزية في طهران لا تمنحها اساسيات الاندماج السياسي والاقتصادي وعلى رأسها المشاركة في صنع القرار.
March 11, 2006 02:19 AM