أي منهج للإيراني «كنجي»: فاسلاف أم مونت كريستو؟
علي نوري زاده (الشرق الاوسط)
لما استغل «أكبر كنجي» الكاتب والصحافي الايراني البارز الذي فضح اسرار مملكة استخبارات نائب الامام الزمان والولي الفقيه، اجازته من رئيس سجن ايفين ليتلقى العلاج من طبيب اخصائي في القلب، استغلها كي يصدر «ماينفست الجمهورية» او «ميثاق النظام الديمقراطي المنتخب من قبل الشعب مباشرة» بات واضحا لدى اصدقاء كنجي والمعجبين به لا سيما الطلبة الجامعيين، أن كنجي لا يفكر قط بأن ينتقم ممن اودعوه في السجن، بحيث لا يحلم مثلما حلم «كنت مونت كريستو» الشخصية الاسطورية التي قدمها الممثل المعروف «ريتشارد تشمبرلين» في فيلم رائع قبل عقود من الزمن، بل انه اي «كنجي» يعتقد بأن الديمقراطية لن تأتي عبر بوابة الانتقام واراقة الدماء، ...
بل ان اقرب طريق إليها، هو طريق «فاسلاف هافل» الكاتب والناشط في مجال حقوق الانسان الذي قاد الثورة المخملية في جمهورية الـ «تشيك» (تشيكوسلافاكي قبل انفصال اسلوفاكيا) وانتخب رئيسا للجمهورية عقب سقوط النظام الشمولي الشيوعي في براغ.
وثمة مشابهات ما بين كنجي وهافل ما يبرر اعجاب كنجي بصاحب وثيقة براغ التي اعدها هافل ونالت تأييد عدد من ابرز المثقفين والفنانين. وكما ان «هافل» كان اشتراكيا في شبابه وتحول الى مفكر وكاتب ليبرالي. فان كنجي ايضا، قد بدأ ثوريا ومؤمنا بولاية الفقيه والحكم الديني، ولكنه سرعان ما اكتشف عند التحاقه بمدرسة الدكتور عبد الكريم سروش الفكرية ان رجال الدين لا يمكن ان يتحولوا ديموقراطيين بل ان الاستبداد في جوهره، اقرب الى عقلية الفقهاء الذين يعتبرون انفسهم اعلى وارفع من عامة الناس «أي العوام كالانعام» على حد قول آية الله محمد تقي مصباح يزدي (المرشد الروحي للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد).
عند انطلاق الثورة الاسلامية في ايران لا يختلف اكبر كنجي عن الآلاف من الطلبة المتحمسين للثورة بحيث ينظر اكبر وهو في مستهل حياته السياسية الى الخميني باعتباره «ملكا» يمثل الحق وبخروج الشيطان أي الشاه، من البلاد، سيدخل الملك (الحق) البلاد ليحل مكان الباطل! وفعلا كتب في احد مقالاته ان هي الحق قد انتصر على الباطل، وبعد سقوط النظام الشاهنشا وجلوس الامام الخميني على عرش الطاووس الذي بات مقدسا بفضل جلوس نائب الامام الزمان عليه، انضم اكبر كنجي مثلما فعل رفاقه وزملاؤه في الجامعة الى الحرس الثوري ليس من اجل الدفاع عن الثورة والنظام برشاشه الكلاشينكوف ومدافع الهاون، بل لمواجهة الاعداء الاجانب والقوى المناهضة للثورة بسيف القلم وسهم الكلمة. غير انه سرعان ما ادرك بان الحرس الثوري لا يعتمد على الكلمة وذلك خلال مواجهات جرت بين رجال الحرس والاكراد الايرانيين في كردستان واسفرت عن سقوط المئات من الضحايا بين القتيل والجريح.
وحينما تسلم محمد خاتمي منصب وزير الثقافة والارشاد، كان اكبر كنجي وعدد من رفاقه ضمن الفريق الذي دخل الوزارة تحت عباية خاتمي.
غير ان خاتمي بات قلقا على وضع كنجي حينما تلقى باعتباره وزيرا وعضوا للمجلس الأعلى للأمن القومي، تحذيرات من وزارة الاستخبارات حول انشطة كنجي الثقافية وارتباطه مع الكتاب والمثقفين المعارضين، ولابعاد الشر عنه، قام خاتمي بارسال كنجي الى تركيا، ليعمل مساعدا للمستشار الثقافي والصحافي الايراني بتركيا.
وبعد استقالة خاتمي من الوزارة احتجاجا على تدخل مرشد النظام في شؤون الوزارة، عاد اكبر كنجي الى ايران. حيث تمكن بمساعدة بعض اصدقائه من انشاء مؤسسة صحافية ودار للنشر. وذلك خلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني الثانية (1993 ـ 1997) والمجلة التي اصدرها كنجي باسم «راه نو) ـ الطريق الجديد ـ كانت مجلة فكرية وسياسية ذات نظرة دينية متفتحة ورغم ان كنجي كان يتجنب الدخول في قضايا ساخنة مثل حدود سلطات الولي الفقيه او التناقضات القائمة بين مفهوم الديمقراطية ومفهوم الحكم الديني، الا ان وزارة الاستخبارات اضافة الى قوات الأمن والادعاء العام، قد رفعت قضية ضد كنجي لدى القضاء متهمة اياه بالتشكيك في قدسية الخميني وولاية علي خأمنئي.
وقد تعرض كنجي للملاحقة القضائية وصدر حكم بسجنه لبضعة اشهر عشية انتخاب محمد خاتمي رئيسا للجمهورية وبانتخاب خاتمي، لم يدخل كنجي السجن بل اصبح ركنا مهما لحلقة المثقفين والكتاب المساندين لخاتمي ووزيرا ارشاده الدكتور عطاء الله مهاجراني وحتى ذلك الحين لم يكن اكبر كنجي يحظى بشهرة شعبية، اذ إن مجموعة محدودة فقط من المثقفين اضافة الى قراء مجلة «راه نو» كانوا يعرفون أكبر كنجي كمفكر اسلامي شاب وكاتب نصفه ثوري إلا أن مقالات كنجي في طلعته الجديدة بصحيفة «جامعه» ـ المجتمع ـ التي تم إصدارها بعد فوز خاتمي في الانتخابات كلسان حال المجتمع المدني، من قبل محمد محسن سازكارا وما شاء الله شمس الواعظين و.. قد أوصلته في بضعة أشهر إلى مكانة أشهر وأهم صحافي وكاتب في جمهورية ولاية الفقيه. ومن ثم ظهر كنجي على صفحات صحيفة «خرداد» لعبد الله نوري وزير داخلية خاتمي، (الذي حوكم بعد عزله وتم حبسه لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، كما ان شقيقه الدكتور علي رضا نوري الذي كان نائباً في البرلمان قُتل في حادث مرور غامض) هذه المرة ليكشف عن ملابسات وخفايا الاغتيالات السياسية في إيران. ويتحدث عن «سماحة صاحب الرداء الأسود» علي فلاحيان وزير الاستخبارات الأسبق ـ وغبطة صاحب الرداء الأحمر ـ هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام..
وحينما أصدر كنجي ثلاثيته حول الاغتيالات السياسية في إيران ووعد باصدار كتابه الرابع عن فساد الملالي الكبار وأولادهم، تم إصدار التعليمات من أعلى قمم السلطة إلى قاض شاب اسمه سعيد مرتضوي، عن «ضرورة التعامل مع كنجي بسرعة وتلقينه درساً يجب ألا ينساه هو ومن يكتب مثله».ان مكافأة سعيد مرتضوي، لمحاكمة كنجي وإرساله إلى السجن لمدة ست سنوات دون أن يكون هناك اي اتهام مستند إلى القانون ضده، كانت منصب المدعي العام وهو المنصب الذي يتولاه مرتضوي حالياً.
ومما يجب ذكره ان قاضياً آخر اسمه «علي بخشي» وهو كان من القضاة الكبار في الديوان الأعلى للقضاء، قد برأ كنجي من الاتهامات الموجهة إليه حينما طلب منه ابداء رأيه في محكمة الاستئناف. غير أن حكم براءة كنجي قد ألغي بأمر رئيس القضاء، الذي أصدر قراراً آخر بإحالة القاضي علي بخش إلى التقاعد.
لقد مارست سلطات الأمن داخل سجن ايفين وفي خارجه كافة انواع الضغط والتعذيب الجسدي والروحي ضد اكبر كنجي وأسرته، لكي يتراجع عن مواقفه ويعلن أمام كاميرا تلفزيون النظام انه نادم على مهاجمة الملالي المتورطين في اغتيال المثقفين، ومنذ أن أصدر كنجي ماينفست الجمهوري، فان الضغوط تضاعفت، بحيث كان المطلوب منه، اعلان التبرؤ عن ماينفست. غير ان كنجي قاوم، وأضرب عن الطعام ودخل الغيبوبة و.. وبمقاومته أثار اهتمام المجتمع الدولي بحيث اعتبره الاتحاد الأوروبي رمزاً للحرية والمقاومة فيما طالبت وزارة الخارجية الأميركية بالإفراج عنه كشرط جوهري في حصول أي تغيير في سياستها حيال إيران.
ويوم الجمعة حينما غادر كنجي سجن ايفين لينضم الى زوجته الشجاعة معصومه شفيعي (التي ظلت تحمل مصائب زوجها خلال سنوات سجن كنجي، كما كانت همزة الوصل بين زنزانة كنجي والعالم الخارجي) وابنتيهما، كان سعيد مرتضوي، قد شعر لأول مرة بأنه هزم في حربه ضد الكلمة، وها هو كنجي يغادر السجن برأس مرفوع وبشهرة قد تجاوزت حدود إيران. بينما هو، يتصدر قائمة أكثر رجال الحكم في ايران كراهية ونفوراً لدى الشعب.
ومعركة كنجي لم تنته بخروجه من السجن، بل انها قد دخلت كما يشير أحد رفاق كنجي، مرحلة الحسم، اما على طريقة فاسلاف هافل أم كما حصل في يوغسلافيا السابقة، وفي العراق.
March 21, 2006 11:30 AM