الشارع الإيراني منقسم بين مشاعر القلق والغرور والحماس الوطني
لندن: علي نوري زادة (الشرق الاوسط)
رغم الضجيج الذي أثارته أجهزة الاعلام الايرانية من جهة، وبعض وسائل الاعلام الغربية حول الانجاز الكبير الذي حققته منظمة الطاقة الذرية الايرانية بتخصيب كمية ضئيلة جدا من مادة اليورانيوم بمستوى 3.5 درجة، غير ان معظم الايرانيين، بمن فيهم مؤيدو النظام، لا يشاركون الرئيس محمود احمدي نجاد وانصاره الفرحة، بل ان القلق حول تعرض ايران لضربات عسكرية من قبل الولايات المتحدة او اسرائيل آخذ في تصاعد مستمر. ومنذ اعلان احمدي نجاد عن دخول ايران النادي النووي، ارتفعت اسعار المواد الغذائية بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية الـ«ريال».
إلى ذلك، فإن اوساط الرئيس الايراني لا تخفي استياءها حيال قيام رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي اكبر هاشمي رفسنجاني، بالكشف عن نجاح ايران في تخصيب اليورانيوم قبل ساعات من إعلانه بواسطة احمدي نجاد، بحيث كان الرئيس (حسب قول صحافي قريب من الرئاسة) قد أصيب بذهول حينما اطلع على تصريحات رفسنجاني لوكالة انباء كونا الكويتية، اذ ان المرشد علي خامنئي قد اعطى احمدي نجاد الضوء الاخضر قبل ذهاب الاخير الى مدينة مشهد كي يعلن الخبر السار وذلك لتعزيز موقعه وازدياد شعبيته، غير ان رفسنجاني قد خطف نبرة الانتصار، على حد قول الصحافي القريب من الرئيس، ما سبب في تعطل برامج الكرنفال الوطني التي اعدتها رئاسة الجمهورية لمرحلة ما بعد إعلان الخبر.
وكنت المطابع الحكومية والخاصة في طهران ومشهد قد قامت بطبع الآلاف من صور احمدي نجاد الملونة، عشية ذهابه الى مشهد بغية توزيعها في وقت واحد في طهران العاصمة ومشهد حيث يرقد الامام الرضا ثاني أئمة الشيعة.
وما قد زاد من استياء وغضب رئيس الجمهورية الذي كان يعتقد بأن اعلان الخبر السار سوف يجعله في عيون المواطنين مصدقا آخر (الدكتور محمد مصدق الزعيم الوطني الايراني الذي قام بتأميم النفط الايراني في بداية الخمسينات للقرن الماضي)، ان بلدية طهران التي كان احمدي نجاد، يتولى امانتها العامة قبل ان ينتخب رئيسا للبلاد، قد فتحت تحقيقا حول اختفاء مبلغ 50 مليار تومان (50 مليون دولار) من اموال البلدية في فترة مسؤوليته. وعلمت «الشرق الأوسط»، ان الجنرال محمد باقر قاليباف امين العاصمة الايرانية والمنافس القوي لاحمدي نجاد خلال الانتخابات الرئاسية قد كلف مساعده والمسؤول المالي للبلدية السيد بورزندي اضافة الى مساعد وزير الاستخبارات ووزير التجارة السابق محمد شريعة مداري، بإجراء تحقيق شامل حول مصير المبلغ الضخم بعد خروجه من خزانة البلدية. ويعتبر احمدي نجاد كل ذلك جزءا من المؤامرة التي يقودها هاشمي رفسنجاني والاصلاحيون ضده، علما ان تجارب ايران في مجال بناء المنشآت النووية واجهزة الطرد المركي (سانتريفوج) كانت تسبق مجيء احمدي نجاد، بحيث كان رفسنجاني المسؤول الذي وضع مبلغ مليار دولار تحت تصرف منظمة الطاقة الذرية الايرانية في عام 1990 لبناء المختبرات ومراكز الابحاث وشراء اجهزة الطرد المركزي، فيما حقق خبراء المنظمة طيلة رئاسة خاتمي التقدم المثير في مجال إنتاج المياه الثقيلة والغاز هغزافلورايد، ومن الطبيعي الا يسمح رفسنجاني وخاتمي بأن يضع احمدي نجاد تخصيب اليورانيوم في خانة إنجازاته، وفقا لتقييم نائبة إصلاحية سابقة.
وبالنسبة لردود الشارع الايراني حيال «الخبر السار»، فإنها تتفاوت ما بين شعور بالغرور وحماس وطني، الذي يمكن رصده بين رجال البسيج وقيادات الحرس الثوري، وقلق متصاعد عند اغلبية الايرانيين. وحسب ما أورده الصحافي والكاتب البارز «بيجن صف سري»، الذي يصدر صحيفة الكترونية في الانترنت، فإن كلفة تخصيب اليورانيوم ستكون باهظة جدا ليس فقط ماديا، بل ما قد يدفعه الشعب الايراني لو بقي النظام على رفضه لطلب المجتمع الدولي بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، متسائلا، هل من مصلحة بلد غني بنفطه وغازه أن يضحي بمستقبل ابنائه واقتصاده وأمنه من أجل مفاعل نووي بتكنولوجيا متخلفة (الروسية).
أما النائب السابق والخبير في الشؤون النووية، الدكتور احمد شيرزاد، استاذ الفيزياء، فقد كتب مقالا كشف فيه ان مناجم اليورانيوم في ايران لا تحتوي على كمية كبيرة من اليورانيوم، وحتى لو نجحت إيران في تخصيب اليورانيوم، فإن احتياطيها في مناجم اليورانيوم لا يكفي لتأمين الوقود لمحطة بوشهر لأكثر من سبع سنوات، ما يعني ان علينا ان نبيع نفطنا وغازنا بأسعار منخفضة لكي نشتري اليورانيوم بأسعار باهظة، ونجعل انفسنا تحت رحمة دلالي السوق السوداء، اذ ان الدول الغربية لن تسمح لنا بأن نستورد اليورانيوم بشكل قانوني. وتساءل شيرزاد، لماذا لا نبني المفاعل الغازية الاكثر نفعا والأقل خطرا على البيئة؟.
ووفقا لمحبوبة علي زاده، طالبة في الجامعة الحرة فرع العلوم، فإن ايران ليست بحاجة الى اليورانيوم المخصب، وحبذا لو كان الخبر السار حول توفير فرص العمل لـ14 مليون عاطل عن العمل، وبناء المساكن الرخيصة للملايين من الايرانيين الذين يدفعون 80 في المائة من رواتبهم لإيجار مكان كي يعيشوا فيه، او ايجاد مراكز لعلاج 6 ملايين مدمن على المخدرات، واضافت: «ان ما اعلنه السيد احمدي نجاد يخيفني جدا، بحيث أرى بلدي الذي اعشقه قد يواجه مصيرا شبيها بمصير العراق. لا نريد اليورانيوم المخصب، بل نريد العيش في سلام والتمتع بحياة كريمة».
غير ان رضا سوادكوهي، الطالب البسيجي في جامعة اصفهان، يعتبر تخصيب اليورانيوم انجازا كبيرا، ويقول: «علينا ان نمتلك بضع قنابل ذرية، انظروا الى كوريا الشمالية، فهي بلد فقير، ولكن بفضل امتلاكها بضع قنابل، لا تجرؤ الولايات المتحدة على ضربها». ويشير رضا الى قول المرشد آية الله خامنئي قبل ثلاثة اعوام لعدد من الخبراء النوويين الايرانيين «ان قنبلة نووية واحدة ستؤمن 25 سنة اضافية لنا، لأن بلدنا غني بالنفط، وتعداده 70 مليون نسمة، ولسنا مثل كوريا الشمالية دولة فقيرة ومحتاجة، فلهذا وجود قنبلة واحدة يعني، اننا باقون لربع قرن آخر».
إلى ذلك، فإن وحدة عشاق الشهادة (الانتحاريين) قد اعلنت بعد انتشار الخبر «السار»، انها ستضرب مصالح الغرب، وخاصة الشيطان الاكبر (الولايات المتحدة)، في مشارق الارض ومغاربها بقنابلها النووية الانسانية الاستشهادية في حالة تعرض الجمهورية الاسلامية لأي عدوان من قبل الاستكبار العالمي.
April 14, 2006 10:56 AM