إيران: 160 مطبوعة و20 ألف صحافي شردوا بسبب قانون المطبوعات
لندن: علي نوري زاده (الشرق الاوسط)
«لن اقرأ بعد اليوم صحيفة «ايندغان» بهذه العبارة القصيرة وبعد ستة اشهر من قيام الثورة اعلن آية الله الخميني بداية قرارات ضد عدد من الصحف والمجلات التي كانت تصدر منذ انتصار الثورة، وفي اقل من ثلاثة اسابيع تم توقيف 47 صحيفة ومجلة بينها «آيندغان» اليومية التي بلغ توزيعها 500 الف نسخة في اليوم ومجلة «اوميدايرن» التي تجاوز توزيعها 500 الف نسخة في الاسبوع.
لقد كان ربيع الحرية قصيرا جدا، اعقبه شتاء الرقابة الذي استمر طيلة سنوات الحرب مع ايران وحتى العام الثالث لفترة رئاسة رفسنجاني الاولى في العام 1992. وشهد الوسط الصحافي الراكد والصامت في تلك الفترة ولادة صحيفة «سلام» ومجلات ادبية، اجتماعية وسياسية بالتقسيط مثل «آدينة» و«غردون». غير ان نهاية شتاء الرقابة المتشددة تزامنت مع انتخاب محمد خاتمي رئيسا للجمهورية، وظهرت صحيفة ذات لون وظاهرة بل محتوى مختلف عن الصحف الحكومية الثلاث «كيهان» و«اطلاعات» و«جمهوري اسلامي» في الشهر الرابع لولاية خاتمي كأول صحيفة ناطقة باسم المجتمع المدني باسم «جامعة» (المجتمع). وكان لاستقبال الناس للصحيفة التي كانت تتحدث عن الديمقراطية والشفافية ومكافحة الفساد، وتتجرأ لتتجاوز الخطوط الحمراء قد شجع الآخرين على إصدار صحف مشابهة لا سيما الصحافيين القدامى البارزين ممن ارغمتهم الاجواء العامة على ترك ساحة الاعلام، منهم من اصدر كتبا ومنهم من دخل مجالات بعيدة عن الصحافة ومن غادر البلاد ليواصلوا عملهم في الصحافة العالمية. وبظهور صحيفة «جامعة» اعتبر البعض ان الربيع قد عاد مرة اخرى الى بستان الصحافة والجفاف قد انتهى، مما سبب ظهور اكثر من ثلاثين صحيفة و70 مجلة جديدة معظمها اصلاحي التوجه في غضون ستة اشهر. كما ان وزير ارشاد خاتمي، عطاءالله مهاجراني، وهو نفسه كاتب وصحافي بارز، لم يبخل في اصدار تراخيص جديدة لكل من كان مؤهلا وفقا للقانون لاصدار صحيفة او مجلة مستقلة، وقد دفع ثمنا باهظا لذلك، اذا واجه محاولة لاسقاطه في البرلمان لكنها منيت بالفشل، مع انه اضطر الى تقديم استقالته بعد ان هدد خامنئي الرئيس خاتمي بأنه سيستخدم سلطاته لعزل مهاجراني ما لم يقدم استقالته. ولم يكتف خامنئي بذلك بل كلف المدعي العام سعيد مرتضوي بفتح ملف ضد مهاجراني، بغية محاكمته وسجنه، غير ان مهاجراني دخل النار وخرج منها سالما بفضل ملفه الابيض ومنذ ظهور صحيفة «جامعة» ونظيراتها «خُرداد» و«فتح» و«صبح امروز» و«آريا» و«همشهري» التي كان يصدرها امين العامة آنذاك، غلام حسين كرباستشي، اتخذ المرشد واملحافظين موقفا متشددا من تلك الصحف والمجلات وما مضى على صدور «جامعة» اكثر من ستة اشهر حتى اصدر مرتضوي قرارا بتوقيفه، غير ان ما شاء الله شمس الواعظين رئيس تحرير الصحيفة وزملاءه سرعان ما وجدوا رخصة اخرى لاصدار «جامعة» هذه المرة تحت اسم «توس» التي كان عمرها قصيرا جدا ومن ثم اصدروا «نشاط» ومن بعدها «آزاديغان» التي امر مرتضوي بتوقيفها ايضا بعد بضعة اشهر.
وخلال انتخابات الدورة السادسة للبرلمان التي حقق خلالها الاصلاحيون انتصارا ساحقا تبين للمرشد وانصاره، مدى تأثير الصحف الحرة في تغيير مسار الاحداث وآثارة الرأي العام لصالح الاصلاحيين وضد المحافظين، لهذا صدرا توجهات المرشد لنواب الدورة الخامسة للبرلمان ذات الاغلبية المحافظة للمصادقة على قانون للمطبوعات في جلسة البرلمان الاخيرة، الذي كان قد وضع قيودا شديدة على حرية التعبير والصحافة. وحينما قرر النواب الاصلاحيون عند افتتاح الدورة السادسة للبرلمان، الغاء هذا القانون، وجه آية الله خامنئي امرا مباشرا الى النواب حذرهم من المس بقانون المطبوعات الذي استند اليه القاضي سعيد مرتضوي لتوقيفه 18 صحيفة يومية اصلاحية في ليلة واحدة واعتقال العشرات من الصحافيين، وشمل التوقيف فيما بعد عددا من الصحف والمجلات في الولايات بحيث بلغ عدد الصحف الموقوفة 38 صحيفة والمجلات الاسبوعية والشهرية 122 مجلة.
وسرعان ما اصطدمت محاولات انصار خاتمي لإصدار صحف اصلاحية وسطية بلغة معتدلة مثل صحيفة «بهار» سرعان ما اصطدمت بسيف التوقيف الذي رفعه مرتضوي في وجه كل من كان يرفض بأن يكون كاتب اوامر الاستخبارات ومذيع اخبار مكتب المرشد وتعليمات القاضي مرتضوي. وفيما فقد اكثر من 25 الفا من الصحافيين والفنيين والموظفين الاداريين في الصحف والمجلات الموقوفة اعمالهم ومصدر رزق اسرهم، نال سعيد مرتضوي رضى وتقدير المرشد الذي عينه مدعيا عاما للعاصمة ومسؤولا عن محاكم الثورة. ورجال الصحافة ونساءها، يعيشون حسب الكاتب والصحافي البارز اكبر كنجي الذي قضى ست سنوات في السجن، بقرار من مرتضوي عقب توقيف صحيفة «صبح امروز» و«خرداد» (كما قضى مدير صحيفة خرداد ووزير الداخلية السابق عبد الله نوري اربع سنوات في السجن)، يعيشون حياة صعبة جدا، والابواب مغلقة امامهم جميعا، بحيث اصبح من غير المسموح توظيفهم في الدوائر والمؤسسات الحكومية والاذاعة والتلفزيون والمؤسسات الصحافية، واذا اجرت اذاعة او تلفزيون خارج ايران مقابلة هاتفية مع احد منهم، فان مرتضوي سيستدعيهم الى محكمة الثورة في اليوم التالي. وهناك العشرات من الصحافيين البارزين الذين يعملون اليوم في شركات سيارات الاجرة كسائقين فيما افتتحت صحافية شابة مع زوجها محلا صغيرا لبيع الساندويتشات.
July 6, 2006 01:25 AM