مغادرة الوجه العقلاني المثقف للتيار المحافظ
لاريجاني: الفيلسوف المهتم بالملف النووي.. ورجل كل الأزمات
لندن: «الشرق الأوسط»*
خلال السنوات القليلة الماضية كان وجه الدكتور علي لاريجاني أحد أبرز الوجوه الإيرانية التي تطل على العالم بانتظام، وتدخل ردهات القرار السياسي في عواصمه الكبرى، وتقود فرق التفاوض بثقة واضحة ووجه مبتسم يوحي لكل من يراه بأنه يعرف تماماً ما يريده. لكن لاريجاني بالرغم من انه من المحافظين في إيران، الا انه لم يكن مطلقا حليفا طبيعيا للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد.
ولد علي أردشير لاريجاني عام 1958 في مدينة النجف الأشرف بجنوب العراق لعائلة إيرانية ذات مكانة دينية وعلمية رفيعة، ذلك أن أباه هو آيه الله هاشم آملي. وتنتسب العائلة إلى قضاء لاريجان في محافظة آمل بإقليم مازندران المطل على بحر قزوين في أقصى شمال إيران. ولعلي لاريجاني، الذي هو أيضاً صهر آية الله مرتضى مطهّري، وله ثلاثة أخوة لامعون في المجتمع السياسي والأكاديمي الإيراني هم صادق لاريجاني احد الأعضاء الـ12 في «مجلس الأوصياء» (المجلس الأعلى) والدكتور محمد جواد لاريجاني الأكاديمي البارز الذي يحمل درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي الأميركية والنائب في «المجلس» (البرلمان) وفاضل لاريجاني المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية في كندا، وابن خال الدكتور احمد توكلّي الوزير السابق والنائب ورئيس مركز الأبحاث الحالي في «المجلس».
ومنذ نشأته في «الحوزة» العلمية الدينية وإبان سنوات الدراسة كان لاريجاني طالباً مقتدراً ونهماً في حب المطالعة، وفي الجامعة الشريفية للتكنولوجيا في طهران درس علوم الكومبيوتر والرياضيات وتخرج منها بدرجة بكالوريوس علوم بامتياز. ثم حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة الغربية من جامعة طهران، بتأثير من والد زوجته آيه الله مطهّري، وتجدر الإشارة الى أن للارجاني كتباً منشورة عن فلسفة الفيلسوف الألماني الكبير إيمانويل كانت.
أما على الصعيد السياسي الحركي فإنه انتظم في صفوف «الحرس الثوري» خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، وكان هذا أمراً طبيعياً لمن له خلفية متصلة اتصالاً وثيقاً برجال الدين مثل لاريجاني. أيضاً عرف عنه، ولاسيما في فترة توليه رئاسة هيئة إذاعة الجمهورية الإيرانية «إيريب» بين عامي 1994 و2004، أنه يمثل اتجاها محافظاً ويميل إلى تيار «الصقور» في وجه الإصلاحيين ودعاة البراغماتية الذين ارتفعت أسهمهم مع نجاح محمد خاتمي بالفوز برئاسة الجمهورية.
عام 2005 اتضح مدى طموح لاريجاني لبلوغ القمة عندما خاض معركة انتخابات رئاسة الجمهورية غير أنه احتل المرتبة السادسة بين المتنافسين حاصلاً على أقل من 6% من مجموع الأصوات، فضلاً عن أنه جاء ثالثاً بين المرشحين المحافظين الثلاثة أما الآخران فهما الرئيس الحالي الفائز محمود أحمدي نجاد والمرشح محمد باقر قاليباف. ولكن مع هذا اعتبر التيار المحافظ أن لاريجاني كفاءة لا يجوز التفريط بها، ولذا قرر أحمدي نجاد الاستعانة به مسنداً إليه يوم 15 أغسطس (آب) 2005 منصب أمين مجلس الأمن القومي ليحل محل الإصلاحي المعتدل حسن روحاني. كما ان لاريجاني أحد عضوين يمثلان المرجع الأعلى آيه الله علي خامنئي في هذا المجلس، وتضمنت مسؤولياته كأمين لهذا المجلس تولي الإشراف والتفاوض على كل ما يتصل بقضايا الأمن القومي للبلاد وعلى رأسها الملف النووي، وكان في طليعة أعماله على هذا الصعيد نقض السياسات المرنة التي سبق أن اعتمدها سلفه روحاني ومنها تعليق نشاطات التخصيب النووي بلا قيد او شرط. وقد اطلق لاريجاني تصريحات مهمة حول الوضع في العراق وكان المحرك الرئيسي خلف الكواليس في الازمة الدبلوماسية مع لندن حول احتجاز 15 بحارا بريطانيا في ايران في مارس (آذار) الماضي. وباختصار فقد كان رجل كل الازمات في ايران. إلا ان اللغة المعقدة وغير الحماسية التي استخدمها لاريجاني، تتناقض مع اللغة الحماسية والمثيرة للجدل التي يستخدمها احمدي نجاد. والمعروف ان لاريجاني، على اطلاع وثيق بشؤون النظام، على عكس احمدي نجاد القادم الجديد على الساحة السياسية الايرانية. وفي الوقت الذي كانت فيه التوترات بين الجانبين الى ازدياد، توجه لاريجاني الى مؤتمر الامن في ميونيخ لالقاء كلمة مهمة ومعتدلة نسبيا حول برنامج ايران النووي. وبينما كان احمدي نجاد هو الذي اطلق باسلوبه المسرحي المعتاد تصريحا مفاجئا باطلاق سراح الجنود البريطانيين، فان لاريجاني هو الذي قام بمعظم التحركات الدبلوماسية.
October 21, 2007 01:53 AM