لاريجاني من النجف إلى البرلمان.. عبر مجلس الأمن القومي
الأصوليون اختاروه رئيساً للبرلمان.. الإصلاحيون يرحبون
لندن: علي نوري زاده
كان الملا هاشم آملي من أبرز رجال الدين المبعدين من العراق حينما قرر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين طرد الآلاف من الأسر الإيرانية المقيمة في العراق بغض النظر عن فترة إقامتهم بحيث شمل الطرد أسرا، هاجرت إلى العراق قبل 150 عاماً، وتلك التي انتقلت إلى العراق حديثا بعد انتقال عائلها إلى النجف للدراسة لدى كبار الأساتذة والمراجع الشيعية. وكان آية الله آملي من الفئة الثانية بحيث لم تتجاوز فترة إقامته في النجف بالعراق اكثر من 14 عاما، غير انه ذهب إلى النجف مع أسرته الصغيرة المؤلفة من زوجته ونجله البكر صادق. وحين عودته إلى الوطن، كانت الأسرة كبرت بحيث ولد ابناء آية الله محمد جواد وعلي وفاضل وباقر الواحد تلو الآخر بجوار ضريح الامام علي في النجف...
ان أسرة «ارد شير لاريجاني آملي» التي تعد اليوم أحد أبرز الأسرة الحاكمة في إيران، انتقلت إلى قم وطهران بعد دخول الأبناء الجامعات الكبيرة، وبينما توجه محمد جوار الى الولايات المتحدة حيث نال دكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة MIT، تزوج علي مبكرا من ابنة آية الله مرتضى مطهري، احد كبار علماء الشيعة المثقفين (رئيس مجلس قيادة الثورة الذي اغتيل بعد أشهر من انتصار الثورة على أيدي اعضاء تنظيم اصولي شيعي يدعى فرقان)، بينما كان يدرس الكومبيوتر، ومنذ ولادته بالنجف عام 1958، عام الثورة العراقية (انقلاب عبد الكريم قاسم ضد الاسرة الهاشمية المالكة) وحتى عام 1979 عام الثورة الإيرانية ضد الاسرة المالكة في إيران، ظلت أسرة آية الله آملي بعيدة عن السياسة. ورغم ذلك، فان علي بسبب زواجه من ابنة أحد قادة الثورة، سرعان ما ركب قطار الثورة حين انطلاقه من محطة قم، وانضم الى الحرس الثوري فور تشكيله ولكنه لم يرتد النبرة العسكرية بل بقي في الغرفة الخلفية، أي في استخبارات الحرس والغريب في حياة الرجل، انه بعد بضع سنين من العمل في الاستخبارات، وقع في حب «الفلسفة» بحيث دخل كلية الآداب ليدرس الفلسفة المعاصرة ونال دكتوراه برسالة كتبها حول فلسفة «عمانويل كانت». وخلافا لشقيقه محمد جوار الذي صعد سلم السلطة بسرعة من النيابة في البرلمان إلى منصب نائب وزير الخارجية وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي، اختار علي لاريجاني السير بهدوء نحو قمة السلطة، أما أبناء آية الله آملي الآخرون، فان محمد باقر طبيب الأسرة صار عميدا لكلية الطب، فيما يتولى فاضل منصب الملحق الثقافي الإيراني في كندا، بينما محمد صادق الذي نال الاجتهاد انتخب عضوا في مجلس صيانة الدستور. وبينما تحالف محمد جواد مع اليمين المحافظ ووقف الى جانب علي اكبر ناطق نوري في الانتخابات الرئاسية عام 1997 والتي حقق خلالها خاتمي فوزا ساحقا (وكان ناطق نوري وعد بتعيين محمد جوار أردشير لاريجاني وزيرا للخارجية في حالة فوزه) احتفظ علي اردشير لاريجاني بعلاقات متينة مع جميع اقطاب الحكم وعلاقات متميزة مع المرشد، حيث عينه خامنئي مستشارا خاصا له قبل أن يوكل إليه مهمة تطهير وزارة الارشاد الاسلامي عقب استقالة محمد خاتمي عام 1993 من رموز التجدد والحداثة والإصلاحيين الذين انخرطوا في الوزارة في عهد التسامح والتساهل الذي مثله خاتمي.
من الإذاعة والتلفزيون، خرج لاريجاني مرشحاً للرئاسة ولكنه علم سريعا بان هناك رجلا غيره سخر قلب صاحب الكلمة الأولى، المرشد علي خامنئي. هكذا رضخ لإرادة المرشد وبايع أحمدي نجاد رئيساً على ان يتولى هو سكرتارية المجلس الأعلى للأمن القومي والملف النووي. غير أن شهر العسل بين الرئيس وعلي لاريجاني كان قصيراً بحيث توجه لاريجاني إلى المرشد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ليقول انه لم يعد قادراً على التعاون مع رئيس الجمهورية طالبا إعفاءه من مسؤولياته. وافق خامنئي على أن يبقى لاريجاني ممثلاً له في المجلس الأعلى للأمن القومي. وقبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شكل لاريجاني حلفاً مع العميد محمد باقر قاليباف، عمدة العاصمة، واللواء محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام والحلف الثلاثي شارك في الانتخابات بقائمة مستقلة عن قائمة أحمدي نجاد، رغم ان القائمتين كانتا تستخدمان كلمة «الأصوليين» الأولى ملتزمة بخط الامام والقائد والثانية منفتحة وشاملة. وبدلاً من ان يترشح لاريجاني من طهران، ترشح من قم حيث نال 75 في المائة من الأصوات.
يوم الأحد الماضي، اجتمع 170 من النواب الأصوليين من القائمتين لاختيار الرئيس المقبل للبرلمان قبل افتتاح الدورة الجديدة (الثامنة) للبرلمان بأيام، وفاز الدكتور لاريجاني فوزاً ساحقاً على رئيس الدورة السابقة للبرلمان الدكتور غلام علي حداد عادل الذي أصبح ضمن أهل بيت المرشد بعد زواج ابنته من نجل آية الله خامنئي وخليفته المحتملة مجتبى خامنئي. وسيأخذ انتخاب لاريجاني طابعاً رسمياً هذا الأسبوع بتصويت النواب على اسماء مرشحي الرئاسة والهيئة الرئاسية للبرلمان.
وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت نقلاً عن مصدر بمكتب المرشد عشية الانتخابات البرلمانية، ان لاريجاني سيتولى رئاسة البرلمان، فيما سيقضي حداد عادل معظم وقته في تنظيم حملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي سيترشح فيها تنفيذاً لأوامر خامنئي ضد احمدي نجاد الذي لم يعد من رصيده عند المرشد إلا دراهم معدودات.
رغم أن لاريجاني ليس اصلاحياً، وسبق ان اتخذ مواقف مناهضة لخاتمي والاصلاحيين سواء خلال سنوات رئاسة خاتمي أو بعدها، غير ان أسلوبه الهادئ الذي ورثه من والده وحنكته الدبلوماسية وعلاقاته الودية مع عدد من رموز الاصلاحات فضلاً عن ارتباطه بأسرة رفسنجاني وكروبي يعد من العوامل التي ساعدت على فوزه على حداد عادل، العبوس الانعزالي، والترحيب به في الأوساط الاصلاحية. وعلى حد قول نائب اصلاحي، «في الوقت الذي لا نستطيع حتى ان نحلم بتولي رئاسة البرلمان، من الأفضل ان يكون رئيسنا لاريجاني وليس حداد عادل».
May 28, 2008 12:56 AM