إيران: علاقة المد والجزر بين السلطة وأكبر التنظيمات الطلابية
التنظيم خرج من تحت عباءة النظام.. والإصلاحيون فشلوا في حمايته
لندن: علي نوري زاده
لم يكن قرار وزارة التعليم العالي في طهران حظر أنشطة مكتب تعزيز الوحدة، أبرز وأقدم وأكبر تنظيم طلابي في إيران، مفاجئاً لقادة المکتب والوسط الجامعي لأن «قرار إزالة المکتب من الوجود اتخذ غداة انتفاضة الطلبة الأولى المعروفة بانتفاضة 18 السرطان (يوليو/ تموز 1999) من قبل السلطة العليا» على حد قول علي افشاري، أحد قادة المکتب في تلك الانتفاضة.
غير أنّ محاولات النظام لتحطيم المکتب باعتقال کوادره وقياداته وطرد المئات من أعضائه من الجامعات وإنشاء تنظيمات مزيفة کبدائل لمکتب تعزيز الوحدة، لم تتکلل بالنجاح کون التنظيم منتشراً فى الوسط الطلابي والجامعي...
وكان القادة المؤسسون من التنظيم قد بادروا بإنشاء منظمة «أدوار تعزيز الوحدة» والتي تضم المئات من قيادات وکوادر مکتب تعزيز الوحدة الذين ترکوا الحياة الجامعية عقب انتهاء فترة دراستهم مما تسبب فى حصول انقطاع بينهم وبين التنظيم الذي ساهموا في انشائه وتحوله من منظمة طلابية محسوبة على النظام الى تنظيم تقدّمي إصلاحي ذي توجهات وطنية وليبرالية مناهضة للنظام الديني في إيران. وبإنشاء منظمة «ادوار تعزيز الوحدة» بات تنظيم مکتب تعزيز الوحدة اکثر اقتداراً ونفوذاً في البلاد، بحيث استطاع التصدي بشکل حاسم لمحاولات اجهزة الأمن وتنظيمات مرتبطة بمؤسسة الحکم مثل انصار حزب الله والباسيج الطلابي وممثليات الولي الفقيه في الجامعات، لإحداث انشقاق بين المنظمات والاتحادات الطلابية المجتمعة تحت خيمة «مکتب تعزيز الوحدة» بغية القضاء على التنظيم نهائياً.
وخلال انتفاضة 18 السرطان، لعب مکتب تعزيز الوحدة دوراً حاسماً في قيادة الانتفاضة وإظهار الحرکة الطلابية المستقلة کمجموعة سياسية جامعية ذات قواعد موسعة ليس في المحيط الجامعي فحسب بل في الوسط السياسي وبين الملايين من الشبان والعمال والنساء، مما زاد من قلق السلطة التي ترى الطفل الذي أخرجه النظام الإسلامي من رَحم الحرکة الطلابية الثورية اليسارية الوطنية بعد قيام الثورة، قد کبر وابتعد عن النظام وسياساته بسرعة.
يذكر انه خلال الأشهر الأولي لقيام النظام الثوري تحولت جامعة طهران الى ساحة للمواجهة بين التيارات السياسية الإسلامية واليسارية والوطنية التي کانت قد رکزت نشاطها في الحرم الجامعي، غير أن قيام مجموعة طلبة خط الإمام المکونة من بضع مئات من الطلاب ذوي التوجهات الإسلامية اليسارية باحتلال السفارة الأميرکية واحتجاز 52 دبلوماسيا لمدة 444 يوماً، عزّز موقع الإسلاميين واليسار الإسلامي. غير أن الصورة تغيرت بإعلان الثورة الثقافية واقتحام الحرم الجامعي من قبل الحرس ورجال اللجان الثورية في العام 1980 وتعطيل وإغلاق کافة مکاتب التنظيمات الطلابية، ومن ثم أمر الخميني بتشکيل مجلس الثورة الثقافية لتصفية الجامعات من الأساتذة والطلبة المتعاونين مع النظام السابق أو المتعاطفين مع مجاهدي خلق وفدائيي خلق والمارکسيين والوطنيين والليبراليين فيما يعتبره الدکتور ملکي، عميد جامعة طهران بعد الثورة «مجزرة جامعة طهران».
ولم يعد هناك مجال للتحرك بعد ذلك في الجامعات إلا لتنظيم واحد هو «مکتب تعزيز الوحدة بين الجامعة والحوزة الدينية» الذي کان يحظى بحماية ودعم السلطة. وکان شعار مکتب تعزيز الوحدة منذ انطلاقه وحتى أواسط التسعينات من القرن الماضي، السعي لتعزيز الوحدة بين الجامعة والحوزة الدينية، وتطبيقاً لهذا الشعار انخرط العديد من الطلبة في صفوف رجال الدين، فيما دخل المئات من رجال الدين الجامعات کباحثين وأساتذة وعمداء ورؤساء کليات ومعاهد. غير أن المکتب أخذ يبتعد عن السلطة أواخر عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني وذلك بتبنيه شعارات اصلاحية وشنه حملة شاملة ضد الفساد وسوء الادارة، وظهور أحمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية في العام 1997 مما عزّز من جديد أواصر الثقة والتعاون بين المکتب والحکومة، بحيث کان عدد من أبرز مستشاري خاتمي ومسؤولي حکومته من قيادات مکتب تعزير الوحدة السابقين واللاحقين، منهم مصطفى تاج زاده نائب وزير الداخلية، وعلي اکبر موسوي خوئيني نائب الدورة السادسة للبرلمان، ومحسن ميردامادي أمين عام حزب جبهة المشارکة والرئيس السابق للجنة الامن القومي والعلاقات الخارجية بالبرلمان. غير أن شهر العسل بين الحکومة ومکتب تعزيز الوحدة لم يستمر طويلاً، وعقب أحداث 18 السرطان وحملة الاعتقالات التي شملت مئات من الطلبة، حاول خاتمي ايقاف الاجراءات القانونية والامنية المتشددة بحق التنظيم، لكن أجهزة الأمن والقضاء کانت خاضعة لسلطة المرشد، فلم ينجح الرئيس الإصلاحي في مساعدة الطلبة الذين أوصلوه الى سدة الحکم.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة تعرض مکتب تعزيز الوحدة لتضييقات کبيرة، فإلى جانب ملاحقة واعتقال العشرات من أعضائه ومصادرة نشراته المطبوعة وتوقيف مواقعه الإلکترونية وسحب رخص اجتماعاته، قدمت وزارة التعليم العالي، فضلاً عن الحرس والباسيج مساعدات مالية وامتيازات غير عادية الى فئة صغيرة انشقت عن مکتب تعزير الوحدة في شيراز بهدف إحلالها مکان مکتب تعزيز الوحدة. غير أن المکتب ظل الصوت الطلابي العلي والتنظيم الأکثر انتشاراً وتأييداً بين الطلبة بحيث يقدر عدد المحسوبين على المکتب في مختلف جامعات ايران بأکثر من خمسين ألفاً، فيما أعلنت 55 منظمة طلابية دعمها للمکتب بعد ساعات من صدور بيان وزارة التعليم العالي حول عدم شرعية مکتب تعزيز الوحدة. وحسب احد أعضاء شورى المکتب فان السلطة تعرف جيداً مدى نفوذ وتأثير المکتب بين مليوني جامعي، خصوصا أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب.
February 2, 2009 01:16 AM