كروبي: دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني ركيزتان أساسيتان في سياسة إيران لكن يجب أن تكونا ضمن القواعد الدبلوماسية المعترف بها عالميا
المرشح الإصلاحي قال لـ «الشرق الأوسط»: ترشحت كي أنهي سنوات الشعارات والدعايات الفارغة*
الشرق الاوسط: ماذا كان الدافع الرئيسي وراء قراركم بالترشح، رغم تجربتكم المريرة في الانتخابات الرئاسية السابقة عندما نشر عنكم تصريحكم الشهير بأنكم قد ذهبتم إلى البيت لبضع ساعات ونمتم ساعة، وفوجئتم بعد ذلك بارتفاع أصوات أحمدي نجاد بشكل غير عادي، كما اعترضتم بعد ذلك في رسالتكم إلى المرشد آية الله علي خامنئي على تدخل نجله مجتبى في الانتخابات لصالح أحمدي نجاد. إذن، هل تغير شيء بين الأمس واليوم شجعكم على الترشح من جديد؟
ـ إن أوضاع البلاد السيئة في مختلف المجالات نتيجة السياسات الخاطئة التي انتهجتها حكومة أحمدي نجاد قد ألزمتني بإعلان ترشحي، فالبلاد تواجه الآن أزمات حقيقية لاسيما في مجالات الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية ولابد من تغيير هذا الوضع الشاذ، وأعتقد أن تحقق هذا الهدف ممكن، هذا هو أهم دافع وراء قراري بالترشح.
* وفقا لتقييمكم عن أوضاع إيران، ونظرا للأزمات والمخاطر التي تعيشها إيران، كيف يرى مهدي كروبي المستقبل في حالة فوزه في الانتخابات؟ ما هي العوائق التي ستجدونها أمامكم مع الأخذ بعين الاعتبار تجربة خاتمي، وبأي استراتيجية تريدون العبور من هذه العوائق؟
ـ ما من شك في أن الجهات التي تصدت للتغيير في الماضي سوف تحاول أيضا عرقلة مسيرة التغيير، غير أن مواقفي وسلوكي وتجاربي السابقة تبين بأنني لا أستسلم إزاء التحديات، وباستطاعتي أن أتجاوزها.
* ما هي أولوياتكم على صعيد السياسة الداخلية والخارجية؟
ـ بالنسبة لسياستي الداخلية فإنني سأقدم على برمجة السياسة الداخلية في إطار مشاريع إنمائية، على الصعيد الاجتماعي بتعزيز دور المجتمع المدني وتشجيع إنشاء الاتحادات والكيانات السياسية وإزالة كافة أشكال التمييز الطائفي والمذهبي بحق الأقليات الدينية والعرقية، والنساء، وضمان حقوق الطلبة وصيانة الحريات المضمونة في الدستور وفي مقدمتها حرية التعبير، وعلى الصعيد الاقتصادي وذلك بفصل الميزانية عن العائدات النفطية وتنظيم مشروع خاص من أجل استمتاع الشعب بعائدات النفط.
كما أن الاستفادة من الطاقة البشرية للخبراء والمتخصصين ستشكل محورا مهما في سياستي لإدارة البلاد.
وبالنسبة لسياستي الخارجية فإن صيانة المصالح الوطنية وبناء علاقات مبنية على التعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل والقيام بدور بناء ومؤثر في تعزيز أواصر الأخوة مع الدول الإسلامية والعربية لاسيما الدول الجارة لإيران، واتخاذ مواقف مساندة للسلام، والابتعاد عن الشعارات والتركيز على خطوات براغماتية، تشكل ركائز سياستي الخارجية.
* في الدورة التاسعة للانتخابات الرئاسية، حققتم أعلى نسبة من الأصوات في المناطق التي يعيش فيها أهل السنة مثل كردستان وبلوشستان، ما هو سبب إقبال أهل السنة على المرشح مهدي كروبي؟ هل إن حرمان أهل السنة من تولي مناصب رفيعة وكذلك من تولي مسؤوليات إدارية في المحافظات والمدن التي يشكلون فيها الأكثرية من جهة، وعدم تمتعهم بحقوقهم المشروعة، فضلا عن التمييز الذي يمارس بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، حيث هناك شكاوى كثيرة حول عدم امتلاك أهل السنة ولو لمسجد واحد في العاصمة طهران، يعد من ضمن العوامل التي تضر بوحدة البلاد وتلاحم أبنائها؟ وهل لديكم برامج واضحة ومحددة لضمان حقوق أهل السنة ورفع الظلم والتمييز عنهم؟
ـ إن أحد أهم برامجي لإصلاح الوضع الموجود هو رفع التمييز عن المواطنين السنة والأقليات الدينية والعرقية، لا سيما على مستوى المدراء والموظفين الكبار داخل الحكومة، وذلك باستقطاب المتخصصين والكوادر المؤهلة، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية، وإسناد مسؤوليات رفيعة إليهم بالاعتماد على مؤهلاتهم العلمية وكفاءاتهم، لا سيما في المناطق التي يعيش فيها أهل السنة والأقليات العرقية مثل كردستان، وبلوشستان، وخوزستان.
إن توجهاتي وجهودي المتواصلة منذ عدة سنين إزاء حقوق الأقليات ورفع الظلم والتمييز عن إخواننا السنة واضحة ومعروفة لدى الأقليات، وهذا هو من أهم أسباب تقدمي على المرشحين الآخرين في الانتخابات السابقة.
* لقد أثرتم خلال خطبكم الأخيرة بشكل متواصل موضوع إزالة التوتر وسوء التفاهم في الشأن النووي، أي يشعر المراقب بأن لديكم خطة أو مشروعا للخروج من المأزق الحالي والتوصل إلى تسوية مرضية لطرفي القضية؛ أي إيران، والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا؟
ـ إن مبدأ الحوار الهادئ والتفاوض من أجل التوصل إلى حل يضمن حقوقنا المشروعة ويزيل القلق لدى الطرف الآخر، وليس التفاوض بلا أهداف معينة، هو المبدأ الرئيسي والأساسي لسياستي حول الملف النووي. وهدفي الأول هو إخراج الملف النووي من الأجواء المتشنجة القائمة حاليا، وسوف أكشف عن تفاصيل مشروعي خلال المفاوضات المباشرة لاحقا.
* لقد كنت الوحيد بين رؤساء السلطات الثلاث العليا (التنفيذية والقضائية والبرلمانية) في الجلوس حول طاولة واحدة مع أعضاء الكونغرس الأميركي والتفاوض معهم مما أدى إلى تعرضكم لانتقاد الراديكاليين في طهران عند عودتكم. هل لديكم الآن استراتيجية محددة للتعامل مع إدارة أوباما؟ وهل تعتقدون أنه باستطاعتكم إقناع السلطة العليا وبقية مكونات الحكم في إيران بنظرتكم إزاء التفاوض مع الولايات المتحدة وأحيانا التطبيع معها؟
ـ إن انتخاب الرئيس باراك أوباما وفر فرصة ثمينة لتخفيف التشنج والتوتر في علاقاتنا مع الولايات المتحدة، وإنني أنظر إلى مسار العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة بتفاؤ،ل وأتمنى أن يتخذ الرئيس أوباما خطوات مؤثرة وفعلية من أجل تحسن العلاقات بين البلدين. أرى أن الظروف مساعدة اليوم أكثر من أي وقت مضى لبناء علاقات طبيعية فيما بيننا. والمطلوب في الوقت الحاضر، هو حسن النية والإرادة الجدية عند الطرفين.
* شهدت العلاقات الإيرانية ـ السعودية مراحل من الصعود والهبوط، والجزر والمد، طيلة سنوات حكم الجمهورية الإسلامية، علما أن حالة هذه العلاقات قد تتحكم بمسار العلاقات الإيرانية ـ العربية بشكل عام، والعلاقات الإيرانية مع الدول العربية المطلة على الخليج بوجه خاص. ما هو موقفكم؟ ـ المملكة العربية السعودية هي أهم وأكبر دولة عربية في المنطقة وأكثرها تأثيرا ونفوذا، ويربطنا بها التاريخ والجغرافيا، والتراث والثقافة والدين، والمصالح المشتركة اقتصاديا وأمنيا, وكذلك ديننا الإسلامي السمح. والنفط، وأمن المنطقة، والقضية الفلسطينية والعراق، من القضايا التي لدينا اهتمام مشترك بها. وتحظى إيران أيضا بمكانة مهمة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وليس ذلك مجهولا لدى إخواننا السعوديين. إنني أؤمن بضرورة وجود علاقات أخوية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون والتنسيق والتعاضد بين البلدين الشقيقين، وأعتقد أن العلاقات الأخوية بين البلدين ستسهم بشكل مؤثر في حل القضايا الإقليمية. إن تحسن العلاقات الثنائية بين إيران والمملكة عامل مؤثر ومهم في تعزيز أسس الأمن والثبات والطمأنينة في المنطقة.
* علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن متأزمة حاليا، كيف تريدون إعادة بناء علاقات طبيعية مع الدول المذكورة؟
ـ جزء من أسباب التوتر يعود إلى الخلافات الناتجة عن سوء الفهم بين الطرفين حول أهداف كل منهما، وسوء تقديرهما تجاه سياسات وتوجهات الطرف الآخر. إن الخليج يجب أن يكون بحر الأمان ويعيش أبناء الدول المطلة عليه في سلام ثابت ودائم وفي أجواء بعيدة عن الاحتقان المذهبي والتوتر، لبناء مستقبل باهر ومزدهر للمنطقة. وإن مصر كما يقال أم الدنيا، وهي دولة كبيرة ذات حضارة عريقة، بلد عظيم بتراثه الثقافي وبمكانته المرموقة. إنني مستعد في إطار مصالحنا القومية وديننا المشترك، أن أتعامل مع مصر بصورة جدية وفي سبيل بناء علاقات أخوية قوية.
أما بالنسبة لليمن فإنني أعتقد بأن بعض سوء الفهم يعد عاملا في الأزمة الراهنة التي لا أعتبرها جدية، ومن الممكن، بفضل حسن نوايا الطرفين والحوار، تسوية الخلافات الموجودة.
* ما هي أبرز مميزات سياستكم حيال العراق ولبنان؟ وهل تختلف نظرتكم إلى العلاقات مع العراق ولبنان عن نظرة أحمدي نجاد؟
ـ إن دعم الشعب الفلسطيني وحمايته، ومساعدة ودعم الشعب اللبناني.. ركيزتان أساسيتان في سياسة إيران، غير أن حمايتنا ودعمنا يجب أن يكونا ضمن القواعد الدبلوماسية المعترف بها عالميا، وليس من أسس وركائز سياستي الالتفاف بقضايا فرعية وجانبية مثل الهولوكست ونظائرها والتي ليست لبلدي أي مصلحة في إثارتها.
* بعد الانتخابات الرئاسية السابقة أقدمتم على تأسيس حزب «اعتماد ملي» وإصدار صحيفة بالاسم نفسه، هل كنتم موفقين في بسط إطار الحياة الحزبية في البلاد، علما بأن بعض مستشاريكم ينتمون ليس إلى حزب «اعتماد ملي» بل إلى «حزب كوادر الإعمار» مثل غلام حسين كرباستشي عمدة العاصمة السابق الذي سيتولى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في حال انتخابكم، أو مثل محمد علي أبطحي الذي يعد من أقرب زملاء وأصدقاء الرئيس خاتمي، كما أن هناك عناصر غير حزبية مثل السيد عماد الدين باقي والصحافي المعروف محمد قوتشاني ضمن مستشاريكم؟ ـ أعتقد من صميم قلبي أن علينا أن نعتمد على الأحزاب وأن نساعد في بسط سلطة الأحزاب، ونبتعد بذلك عن الثقافة الاستبدادية والانفراد بالسلطة. هكذا نستطيع أن نسد الطريق أمام عودة الاستبداد. ورغم أنني أؤمن بضرورة قيام الأحزاب، غير أن تجاربنا غير متكاملة، وهناك شخصيات غير حزبية لديها كفاءة وأهلية لتولي مسؤوليات حساسة، فلهذا حاولنا جذب هؤلاء والتعاون معهم من دون النظر بعين الاعتبار لانتماءهم الحزبي أو استقلاليتهم. وخير مثال على ذلك المهندس كرباستشي الذي يعد من أبرز وأنجح مدراء الجمهورية الإسلامية، ورغم أنه بشخصه مؤهل لمنصب رئيس الجمهورية ولو كان ترشح لكان سيحظى بموقع متميز، فإنه وافق على أن يتعاون معنا وهو أمين عام حزب «كوادر الإعمار»، مثال آخر هو السيد قوتشاني الذي بعد مشاورات مفصلة، وافق على أن يتولى رئاسة تحرير صحيفة «اعتماد ملي».
* تحدثتم عن دوافع وأسباب ترشحكم في الانتخابات، ونسمع كثيرا هذه الأيام منكم ومن حلفائكم، أن هناك قلقا شديدا لديكم إزاء مستقبل البلاد في حال إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد واستمرار الوضع. ما هي أسباب هذا القلق وما هي تحفظاتكم إزاء سياسات أحمدي نجاد؟
ـ لا نعتبر الحكومة الحالية مؤهلة لتولي الحكم، إنها حكومة تسببت بسياساتها في أن نعيش اليوم عزلة سياسية واقتصادية خطرة. خلال ثلاث سنوات أصدر مجلس الأمن الدولي أربعة قرارات ضدنا، وآثار وتبعات هذه القرارات على صعيد الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد باتت اليوم ملموسة ومحسوسة، بحيث أغلقت القرارات المذكورة أبواب الاستثمار الخارجي في إيران، وأضرت بسمعة إيران ومكانتها في المجتمع الدولي. لا أرى إنجازا في ملف هذه الحكومة.
لقد نال الرئيس خاتمي لوحة تقدير من رؤساء 150 دولة في الأمم المتحدة، وهو رفع رأسنا ولم تكلفنا سياساته ثمنا باهظا.
إن الاعتماد على مشاعر بعض الناس في مناطق بعيدة عنا في الخارج، (إشارة إلى تأييد مواطني بعض الدول الإسلامية وأميركا اللاتينية لأحمدي نجاد) لن يحل مشاكلنا، وما زلنا نتذكر حماس بعض مواطني الدول العربية والإسلامية حيال صدام حسين.
إن نفوذ تركيا ومكانتها وتأثيرها على سياسات المنطقة والعالم أكبر بكثير من نفوذ بلد مثل إيران بحضارتها وتاريخها وموقعها الاستراتيجي، انظروا إلى علاقاتنا مع الدول العربية! لقد وضعت ثلاثة مرتكزات على صدر أصول ومبادئ سياستي، العزة، والحكمة، والمصلحة بصورة فعلية وليس بصورة مزيفة. وعلى أساس هذه الأصول سنقيم علاقات طبيعية ودية مع جميع دول العالم، علما أن قضية النظام الصهيوني قضية خصوصا أن الجمهورية الإسلامية لن تعترف بإسرائيل.
* مصاحبه : علي رضا حقيقي
* ترجمه متن مصاحبه به زبان عربي :علي نوري زاده
June 7, 2009 01:46 AM